جريدة أثير السبت 25 يونيو
2022 م - ٢٥ ذي القعدة ١٤٤٣ هـ
المرسوم السلطاني 2022/23 حول محكمة القضاء الإداري
صدر في الآونة الأخيرة
المرسوم السلطاني رقم 23/2022 بتعديل بعض أحكام قانون محكمة القضاء الإداري. ويسلط
هذا المقال الضوء على هذه التعديلات ومدى الإضافة التي أتى بها التعديل في إطار
المنظومة القانونية بقصر اختصاص محكمة القضاء الإداري على رقابة مشروعية القرارات
دون رقابة ملاءمتها، ويختم المقال ببعض التوصيات التي نأمل من المشرّع دراستها
والنظر في إمكانية الأخذ بها في المستقبل.
البحث في مدى أهمية التعديل الوارد على قانون محكمة القضاء الإداري يوجب علينا
الإشارة إلى أن التعديل جاء على مسألتين، المسألة الأولى هي تعديل نص المادة (3) من
قانون المحكمة بجعل رئاسة الدائرة الابتدائية لمستشار مساعد أول، فإنه ولئن كان أحد
طرفي المنازعة في الدعوى الإدارية جهة الإدارة التي تحرص على سير المرافق العامة
والأصل فيما تتخذه هو تحقيق المصلحة العامة، وأن في رئاسة هذه الدوائر بمستشار (قاضي
استئناف) ضمانة أكبر نظراً للخبرة التي اكتسبها في الدرجات القضائية السابقة
والدراية التي تؤهله إلى إيجاد توازن بين المصلحة العامة ومصالح الأشخاص الخاصة،
إلا أنه نظراً للنقص في أعداد من يشغل هذه الوظيفة من أعضاء المحكمة ؛ يُعَدُّ هذا
التعديل أمراً محموداً باعتباره انعكاساً لواقع الحال في المحكمة من عدم توافر درجة
مستشار بشكل يضمن تغطية كل الدوائر الابتدائية للمحكمة، وفيه في الوقت ذاته تشجيعًا
لجيل الشباب من قضاة المحكمة لتولي زمام الأمور في رئاسة الدوائر.
أما المسألة الثانية، فتتمثل في تعديل نص المادة (6) من قانون المحكمة بإضافة فقرة
في عجز المادة جاء نصها على النحو الآتي “وتقتصر سلطة المحكمة في الرقابة على
القرارات الإدارية على بحث مدى مشروعيتها، دون التطرق إلى بحث مدى ملاءمتها”، ودون
الوقوف كثيراً أمام مدى التزام التعديل بأصول الصياغة القانونية، من أنه كان من
الأولى أن يأتي التعديل بإضافة الفقرة الأخيرة ودون الحاجة لإعادة المادة كلها في
فقراتها الأولى، خاصة وأنها نقلت حرفياً دون أية إضافة، فإن التركيز سينصب على
مضمون التعديل، حيث جاء مضمون هذا التعديل بقصر سلطة المحكمة عند الرقابة على
القرارات الإدارية في رقابة المشروعية دون الملاءمة، وفي الحقيقة فإن موضوع حدود
سلطة القضاء الإداري في الرقابة على القرارات الإدارية كان محلاً للبحث القانوني
على مستوى الفقه والقضاء سواء في فرنسا أم في الدول العربية على مدار سنوات طويلة،
واستقر الأمر فقهاً وقضاءً، وهو ما تبنته محكمة القضاء الإداري في سلطنة عُمان منذ
بواكير أحكامها حتى الآن، وذلك في أن القضاء الإداري لا يتدخل في تقدير ملاءمة
القرارات الإدارية عند رقابته على التصرفات الصادرة من جهة الإدارة، وأنه عندما
يمنح المشرع جهة الإدارة سلطة تقديرية في إصدار قراراتها، فتمارس جهة الإدارة هذه
السلطة دون رقابة من جانب القضاء الإداري باعتبار ذلك من ملاءمات الجهة الإدارية،
ولا يجوز للقاضي الإداري أن يحل محل جهة الإدارة في التقدير، وتظل هذه السلطة
التقديرية بعيدة عن رقابة القاضي الإداري طالما مارستها الجهة الإدارية في إطار
القانون، ولا تمتد يد القاضي الإداري في رقابة هذه السلطة التقديرية إلا إذا خالفت
جهة الإدارة المشروعية في أي عنصر من عناصر التقدير، وتدخل القاضي الإداري في هذه
الحالة ليس في إطار رقابة ملاءمة جهة الإدارة في إصدار قرارتها لكن في إطار
المشروعية بإرجاع جهة الإدارة إلى جادة المشروعية، فالخروج على القانون عند ممارسة
السلطة التقديرية هو خارج إطار الملاءمة، وإلغاء التصرف في هذه الحالة من قبل
القضاء الإداري ليس تدخلاً في ملاءمة إصدار القرار، بل هو إعمال لمبدأ المشروعية
الذي يفرض على كل سلطات الدولة بما في ذلك القضاء الإداري نفسه تنقية المنظومة
القانونية من أي تصرف فيه خروج على القانون.
ومن الجدير بالذكر أن القضاء الإداري في المناسبات التي وسّع فيها من حدود رقابته
على تصرفات الجهات الإدارية من إعمال مبدأ التناسب، والموازنة بين المنافع والاضرار،
ظلت هذه الرقابة في حدود رقابة المشروعية، حيث إنه من المستقر عليه قانوناً في كل
دول العالم أن مراعاة مبدأ التناسب بين المحل والسبب في القرار الإداري هو جزء من
مشروعية التصرف وليس في إطار الملاءمة، وكذلك الحال في التزام الجهة الإدارية عند
القيام بأي تصرف أن تضع نفسها في أفضل الظروف وأن تستهدف في قراراتها المصلحة
العامة في أعلى منازلها، وذلك عندما تكون هناك أكثر من مصلحة عامة يمكن أن يستهدفها
القرار، فعليها التزاماً بالمشروعية أن تستهدف المصلحة العامة الأولى بالرعاية. إن
التزام القاضي الإداري في سلطنة عُمان وفي الأنظمة القانونية المقارنة بتلك المبادئ
هو أمر مستقر عليه ولم يعد محلاً للنقاش، وبالتالي يظل السؤال الذي يطرح نفسه ماذا
أضاف التعديل في المنظومة القانونية في ظل تمسك القاضي الإداري في سلطنة عمان منذ
البداية بمضمون هذا التعديل.
وبعد تحديد مدى أهمية التعديل بعقد اختصاص المحكمة على رقابة المشروعية دون
الملاءمة، نُعرّج إلى إجابة السؤال التالي وهو هل من شأن هذا التعديل تعزيز دولة
المؤسسات والقانون؟ يبدو من مطالعة نصوص التعديلات أن المشرع لم يأت بالجديد، بل هو
مجرد إقرار للمستقر عليه في مبادئ القضاء الإداري العماني، وكان من المؤمل في
التعديل أن يتم تفعيل نص المادة (79) من النظام الأساسي للدولة بأن تكون محكمة
القضاء الإداري فعلاً صاحبة الاختصاص العام والأصيل بنظر المنازعات الإدارية، وهذا
يتطلب إلغاء نص المادة (7) من قانون المحكمة، فضلاً عن إلغاء جميع الأوامر السامية
التي أخرجت بعض المنازعات الإدارية عن اختصاص المحكمة، وبذلك يكون القضاء الإداري
مختصاً بجميع المنازعات الإدارية دون استثناء مثل اختصاص القضاء الإداري في مسائل
الجنسية وغيرها من المنازعات ذات الطبيعة الإدارية، وهذا من شأنه تعزيز دولة
المؤسسات والقانون التي أكد على ترسيخ دعائمها السلطان هيثم بن طارق في خطاباته،
إذا جاء في إحداها “عُمان دولة تقوم على مبادئ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص،
قوامها العدل وكرامة الأفراد وحقوقهم وحرياتهم فيها مصانة”.
نختم المقال ببعض التوصيات:
أولاً: المحافظة على استقلال القضاء وتعزيزه بمنحه مزيداً من الاختصاصات.
ثانياً: تشجيع البيئة الاستثمارية في سلطنة عمان وذلك بتوفير البيئة الحاضنة لها
خصوصاً في المجال القانوني والقضائي.
مرسوم سلطاني رقم (6) لسنة 2021 بإصدار النظام الأساسي
للدولة
القانون وفقاً لآخر تعديل- مرسوم سلطاني رقم 91 لسنة 1999
بإنشاء محكمة القضاء الإداري
مرسوم سلطاني رقم 9/ 2012 بشأن المجلس الأعلى للقضاء
مرسوم سلطاني رقم (6) لسنة 2021 بإصدار النظام الأساسي
للدولة
المرسوم وفقاً لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم 90/99 بإصدار
قانون السلطة القضائية