جريدة
أثير 8 ربيع الآخر 1444هـ - 03 نوفمبر 2022م
كيف
يدعم القرار الوزاري 211/2022 تحقيق أهداف رؤية عُمان 2040؟
كثيرة تلك هي النعم
التي أنعم الله بها على سلطنة عُمان، وتعد الثروة المائية الحية من أهم تلك النعم،
حيث اعتمد الإنسان العُماني عليها منذ القدم، ومن المرجح بأن تزداد حاجته إليها مع
ارتفاع الكثافة السكانية وانحسار الرقعة الزراعية وما يستتبعه من زيادة غير مسبوقة
في أسعار الغذاء.
وتزخر السواحل العُمانية بأعداد هائلة من الثروات المائية الحية تقدر مخزوناتها
الكلية القابلة للاستغلال بحوالي 4,69 مليون طن، دون الأعشاب والنباتات البحرية،
تحوي أصنافا متعددة ومتنوعة تصل لأكثر من1000 نوع من الأسماك والكائنات البحرية
أغلبها ذات قيمة اقتصادية عالية وشهرة عالمية واسعة.
ويرجع الفضل في هذا السخاء والثراء البحري إلى دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم الذي
دعا به لأهل ُعمان بقوله “اللهم وسع عليهم في ميرتهم، وكثر خيرهم من بحرهم”، ثم إلى
الموقع الجغرافي البحري الإستراتيجي المتميز الذي تتمتع به السلطنة وسواحلها
الممتدة لأكثر من 3165 كيلومتراً، مع منطقة اقتصادية خالصة تضاهي 200 ميل بحري، مما
يجعل المساحة البحرية العُمانية تناهز المليون كيلومتر مربع، وهي بذلك تفوق الإقليم
البري.
إلا أن هذه الثروات البحرية المهمة تعرضت لاعتداءات خطيرة وانتهاكات صارخة واستنزاف
شديد أدى إلى انقراض وإفناء أنواع عديدة منها، فمع التطور التقني الهائل في أساليب
ووسائل الصيد جرى على إثره ابتكار معدات وأدوات صيد أكثر خطورة وأشد فتكا، أصبحت
الثروة المائية الحية مهددة أكثر من أي وقت مضى في الوقت الذي تزداد حاجتنا إليها
كذلك أكثر من أي وقت مضى. وهذا ما أفزع المنظمات والهيئات الدولية وجعلها تهرع إلى
دق نواقيس الخطر منذرة بزوال هذه الثروات المهمة إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة وصارمة
لحمايتها وتنظيم استغلالها.
وتعد القوانين والتشريعات السمكية الركيزة الأهم في حماية الثروات المائية الحية
والمحافظة عليها وضمان حسن استغلالها لتبقى ثروة متجددة تستفيد منها البشرية
وأجيالها المتلاحقة. وإدراكا لهذا الدور المهم سعت دول العالم إلى إصدار تشريعات
سمكية منظمة للصيد والأنشطة المرتبطة به، راعت فيها التوافق مع المعاهدات
والاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة بصيانة الموارد المائية الحية والمحافظة على
البيئة البحرية، وكذلك الاستفادة من المبادئ والأسس التوجيهية الصادرة عن منظمة
الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO).
وتبرز حاجة السلطنة لمثل هذه التشريعات أكثر من حاجة غيرها من الدول، لمركز الثروة
المائية الحية وأولويتها بالنسبة لها، إضافة إلى طول واتساع الرقعة البحرية
العمانية، مما صعب مراقبة المجال البحري رغم ما تبذله وزارة الثروة الزراعية
والسمكية وموارد المياه في هذا الجانب من جهود جبارة من خلال مراقبة بحرية وجوية
وبرية وعبر الأقمار الاصطناعية وبكل الوسائل المتاحة، الوضع الذي يتطلب معه إصدار
تشريعات صارمة تتكامل من النظام الرقابي ضبطاً وحماية لهذه الثروات.
وإيمانا من السلطنة بأهمية هذه الثروات، وحرصا منها على حماية ثرواتها ومواردها
المائية الحية والمحافظة عليها لتبقى ثروة قومية متجددة ومتطورة تستفيد منها
الأجيال القادمة جيلا بعد جيل، بادرت إلى إصدار قانون للصيد البحري وحماية الثروة
المائية الحية في عام 1981م بموجب المرسوم السلطاني رقم (53/1981م)، ودعت الحاجة
فيما بعد إلى إجراء تعديلات بسيطة عليه بموجب المرسوم السلطاني رقم (59/1993م)،
وبعد مضي أكثر من خمسة وعشرين عاما، ومواكبةً للتغير الكبير في الظروف البحرية
العالمية والإقليمية والمحلية والتطور المتنامي الذي يشهده قطاع الصيد البحري في
السلطنة، تم استبدال القانون القديم بقانون آخر حديث، وهو قانون الثروة المائية
الحية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (20 /2019م).
واستناداً إلى المادة (39) من القانون المذكور، “لا يجوز للسفن الأجنبية الصيد في
مياه الصيد أو قاع البحر إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من الوزارة، كما يحظر عليها
بيع أو شراء أو إنزال الثروة المائية الحية في مياه الصيد أو الموانئ العمانية إلا
بعد الحصول على تصريح بذلك من الوزارة”، ولقد سبقت المناداة بضرورة فرض رقابة وضبط
على كميات الإنزال الخاصة بسفن الصيد التجارية، وذلك بإلزام هذه السفن بإنزال
حصيلتها من الصيد والرسو في الموانئ أو مواقع الإنزال التي تحددها الوزارة، بغية
ضمان الالتزام بالاشتراطات والضوابط القانونية، فهذا الإجراء وإن كان صعبا في
الماضي لعدم توافر البنى الأساسية البحرية اللازمة، فإنه أضحى ممكنا في الوقت
الحالي مع انتشار موانئ الصيد بكافة ربوع السلطنة.
وينبغي الإشادة بقرار وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه رقم (٢١١ /
٢٠٢٢) بشأن تعيين موانئ الإنزال وعمليات التفتيش لسفن الصيد التجارية العمانية
والأجنبية، والذي نص في مادته الأولى على تعيين كلا من ميناء صلالة، وميناء الدقم،
وميناء الصيد البحري في الدقم كموانئ للإنزال وعمليات تفتيش سفن الصيد التجارية
العمانية والأجنبية التي تطلب الإذن لدخول موانئ السلطنة.
وعلى الرغم من انسجام هذا القرار الوزاري مع الاتفاقية الدولية بشأن التدابير التي
تتخذها دولة الميناء لمنع الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم وردعه والقضاء
عليه، إلا أننا نرى بعض القصور في إعمال الفقرة (ب) من المادة (22) من قانون الثروة
المائية الحية والتي تُلزم الصياد الحرفي وربان سفينة الصيد الحرفي بإنزال الثروة
المائية الحية التي يتم صيدها في موانئ الصيد أو مواقع الإنزال التي تحددها الوزارة،
إذ إن المُلاحظ بأن الصيد الحرفي الذي تبلغ مساهمته في إجمالي الإنتاج بحوالي 88%،
لا يخضع لذات الرقابة والمتابعة، وذلك بالرغم من خطورة بعض ممارسته ومشاركته
الكبيرة في إجمالي إنتاج السلطنة، حيث تشير التطبيقات في الواقع العملي إلى إفلات
هذا النوع من الصيد من الرقابة وضبط كميات الإنزال، حيث يكتفى غالباً بوجود أحد
موظفي الوزارة على الشاطئ للقيام بتسجيل الكميات التي يراد إنزالها، وهو ما نرى
ضرورة إعادة النظر فيه وإيجاد آلية فاعلة تكفل تقديم بيانات دقيقة، تطبيقاً للفقرة
(ب) من المادة (22) المشار إليها، لاسيما مع جاهزية موانئ الصيد في كثير من
الولايات، وتوافر تقنيات المراقبة والرصد المساعدة.
ويمكن القول بأن القرار الوزاري رقم (٢١١ / ٢٠٢٢)، والمقترح بشأن تفعيل مواقع إنزال
الصيد الحرفي، من شأنهما تحقيق المواءمة والانسجام مع رؤية عُمان 2040، وتحديداً
الأولوية الوطنية المتعلقة بالبيئة والموارد الطبيعية، وتوجهها الإستراتيجي
باستخدام الموارد والثروات الطبيعية استخداماً مستداماً واستثمارها بشكل يكفل تحقيق
قيمة مضافة عالية، وصولاً إلى مستويات أفضل في مجال الأمن الغذائي.
فإذا كانت الثروة المائية الحية هي مورد وطني تمتلكه الدولة وتعمل على حمايته
وتنميته وتعزيز الرقابة عليه، فإن فرض الرقابة المؤسسية والمجتمعية الفاعلة على
الأنشطة المرتبطة باستغلال واستثمار هذه الثروات والموارد الطبيعية سوف يُسهم بلا
شك في ترسيخ مبدأ الشراكة الفاعلة بين القطاعين الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع
المدني الذي تنادي به رؤية عُمان المستقبلية، وكذلك رفع مستويات الكفاءة والإنتاجية
لهذه الثروات، والحد من الكلف الاقتصادية الناجمة عن حالات سوء الاستغلال والهدر أو
التدهور أو الفقدان. فتوجه السلطنة الاستراتيجي الذي ينبغي على الجميع إدراكه في
هذا المجال هو الاستغلال الرشيد والمستدام للثروات المائية الحية، بما يُسهم في
تنويع مصادر دخل السلطنة، ويعزز منعتها الاقتصادية ورفاهها الاجتماعي.
مرسوم سلطاني رقم (6) لسنة
2021 بإصدار النظام الأساسي للدولة
المرسوم السلطاني وفقا لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم 20 لسنة 2019 بإصدار قانون
الثروة المائية الحية
قرار
وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه رقم (211) لسنة 2022 بتعيين موانئ الإنزال وعمليات
التفتيش لسفن الصيد التجارية العمانية والأجنبية