جريدة
أثير- الثلاثاء ٠٩ مايو ٢٠٢٣ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٤هـ
“ألا تخل
بالنظام العام”؛ فما المقصود به في القانون العماني؟
كثيرًا ما يتردد مصطلح النظام
العام في نصوص القانون ومفرداته ولدى شرّاح القانون، ولعل أقرب مثال واضح هو نص
المادة الثانية من المرسوم السلطاني رقم (٢٣/ ٢٠٢٣) التي نصت على أنه: “يجب ألا تخل
أحكام هذا المرسوم بأحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام،…” وهنا جاء النص على
عدم مخالفة النظام العام تطبيقًا لهذا المرسوم، وفي هذه الزاوية عبر “أثير” سنتحدث
عن فكرة النظام العام وماذا يقصد بها.
إن ما نستهل به البيان أن فكرة النظام العام فكرة غير محددة الأوصاف والمعالم؛ فليس
للنظام العام وصف ظاهر منضبط يمكن معه وضع تعريف جامع مانع بالنسبة له، ذلك أن فكرة
النظام العام بطبعها الخاص المستقل والمتفرد لكل دولة على حدة لا يمكن حصرها في
تعريف واحد، فما يكون من النظام العام في دولة ما قد لا يكون كذلك في أخرى، ومن
منطلق ذلك يمكننا القول – إن صح ذلك – بأن الفقه قد أجمع على ما تقدم؛ فليس للنظام
العام تعريف جامد يحصر فيه؛ ولئن اجتهد بعض شراح القانون في وضع تعريف له يبقى هذا
التعريف يتسم بالعمومية كحال فكرة النظام العام، وهذا العموم في التعريف مرده إلى
طبيعة النظام العام الخاصة التي يجب أن تجعله عامًا هكذا، فهو متغير بتغير الزمان
والمكان وفكر الأفراد وطبيعة المجتمع، وهذ التغير لا يمكن مواكبته بصورة محصورة
للتعريف بالنظام العام، لكن مفهوم النظام العام يقوم على ثلاث ركائز أساسية هي حفظ
الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة، وحفظ النظام العام في المقام الأول هو
واجب الدولة تقوم به وتضع القوانين وتنشئ المرافق العامة لخدمته.
ويقصد بالأمن العام حماية الأفراد والمجتمع من أي ضرر قد يصيبهم في حياتهم وأجسادهم
وأموالهم ومعتقداتهم التي يقوم عليها كيان المجتمع، ويستوي في الضرر أن يكون بفعل
الإنسان نفسه، أو بفعل خارج إرادة البشر كالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل
والأعاصير، ويهتم عنصر الصحة العامة من عناصر النظام العام بحماية المواطنين من
الأمراض والأوبئة؛ وذلك باتخاذ الإجراءات التي تكفل عدم انتشارها وتحقق القضاء أو
السيطرة عليها. كما يهتم بصون كل ما من شأنه حماية صحة المواطنين ومنع انتشار
التلوث وتحقيق بيئة نظيفة تضمن العيش السليم للأفراد في الدولة، وليس ببعيد عن
الفهم ما قامت به الدولة – مشكورة – من إجراءات للتصدي لانتشار جائحة كوفيد ١٩ (فيروس
كرونا)؛ فكل تلك الإجراءات مردها الحفاظ على النظام العام في صورة حماية الصحة
العامة بالدولة.
كما يقصد بالسكينة العامة حفظ الهدوء العام إذ من حق جميع الأفراد بالدولة أن
ينعموا بالعيش في بيئة يعمها الهدوء بعيدًا عن الضوضاء والإزعاج المقلقين الخارجين
عن المجرى العادي للأمور، وعدم حصول ذلك يعني زعزعة استقرار أفراد المجتمع ويقلق
راحتهم بما يحول وإمكانية العيش في ذلك المكان الذي لا تتوفر به السكينة، وعلى ذلك
يكون من واجب الدولة توفير السكينة العامة.
وتقوم الدولة بدورها في حفظ النظام العام عن طريق سن التشريعات واتخاذ الإجراءات
اللازمة لحفظه والقيام بأعبائه، وتنشئ لذلك المرافق العامة كمراكز الشرطة لحفظ
الأمن العام، والمستشفيات لحفظ الصحة العامة، ونحوها مما من شأنه توفير بيئة نظيفة
– كشركة بيئة -، كما تنشئ الدولة المناطق الصناعية وتلزم أصحاب الأنشطة الصناعية
بالانتقال إليها بعيدًا عن المناطق السكينة لتوفير السكينة العامة لقاطنيها ليسعد
كل بمسكنه ويهنأ له العيش فيه.