جريدة اعُمان- الأربعاء
30 أغسطس ٢٠٢٣ م، الموافق
14 صفر ١٤٤٥هـ
قانون حرية تداول المعلومات.. هل يرى النور؟
تطوير أو تجديد أي منهجية وطنية ينبغي أن يخضع للتقييم والنقاش، وفي ظل السماوات
المفتوحة، فإن المشهد المعلوماتي -إن صحّت التسمية- في بلادنا سلطنة عمان يحتاج إلى
مراجعة وتقييم موضوعي من خلال إيجاد تشريع من مجلس عمان حول حرية تداول المعلومات؛
لأن ذلك جزء من الانفتاح الحضاري ووجود المعلومات التي توظَّف من قبل المختصين
لصالح الأهداف الوطنية، علاوة على استفادة الباحثين وطلبة الجامعات وحتى وسائل
الإعلام الوطنية.
ولعل الباعث الأساسي على إثارة هذا الموضوع، هو شح المعلومات في بعض الجوانب
الاقتصادية والاجتماعية وغياب المؤشرات الوطنية في عدد من القضايا الوطنية.
إن حرية تداول المعلومات تعد من الأمور الحيوية للدول خاصة في عالم شبكات التواصل
الاجتماعي، التي تزدحم منصاتها بالإشاعات والمعلومات المضللة والأخبار غير الدقيقة،
مما يسبب للدول إحراجا شديدا أمام الرأي العام والسبب يعود إلى غياب المعلومة.
ومن هنا، فإن طرح المعلومات بشفافية سواء كانت إيجابية أو سلبية، سوف يكون سلوكا
جيدا يعطي المجتمع صورة واضحة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويرفع الحرج عن
الدول، خاصة إذا كانت هناك ظروف اقتصادية صعبة كما هو الحال في سلطنة عمان خلال
الأعوام الماضية بعد الانخفاض الشديد في أسعار النفط منذ عام ٢٠١٤ حتى عام ٢٠٢٠م.
إن التكتم على المعلومات هو سلوك سلبي للدول؛ لأن ذلك يعطي المواقع الإخبارية ذات
المصداقية المتدنية فرصة لتمرير المعلومات غير الدقيقة، وتصبح تلك المعلومات مادة
متداولة على نطاق واسع، رغم أن تلك المعلومات غير حقيقية. ومن هنا، فإن أمام
المتحدثين باسم الجهات الحكومية فرصة للإدلاء بالبيانات والمعلومات بصفة دورية أمام
الصحفيين والإعلاميين وحتى في الحسابات الحكومية، بحيث يجعل الناس تتابع تلك
المعلومات أولا بأول.
إن حرية تداول المعلومات من مصادرها الموثوقة تعد من الخطوات التي نتطلع إليها
جميعا في ظل نهضة سلطنة عمان المتجدّدة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان
هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وفي ظل حركة المشاريع الاقتصادية الكبيرة
وفي ظل رؤية عمان ٢٠٤٠ الطموحة.
وقد أصبح إيجاد تشريع لتداول حرية المعلومات ضرورة وطنية وليس ترفا، حيث إن
البيانات والأرقام والمؤشرات هي دليل على حيوية الدول وعدم وجود حساسية من الأرقام
حتى لو كانت سلبية، لأن ذلك يعطي مؤشرا على تصحيح السلبيات وهو جزء من حركة المجتمع
ومن إرادة وطنية بأن تعالج تلك السلبيات في إطار من منهجية العمل الوطنية، خاصة أن
اقتصاديات الدول في السنوات الأخيرة وبعد جائحة كورونا تعاني، وإن كانت الظروف الآن
تحسنت بصورة ملحوظة.
إن مجلس عمان في دورته القادمة أمامه فرصة مهمة نحو العمل على إيجاد قانون تداول
حرية المعلومات؛ لأن ذلك سوف يعطي حيوية وحركة للمعلومات الموثوقة أولا، وثانيا،
سوف يكون مفيدا للباحثين والمستثمرين والنشاطين الاقتصاديين والاجتماعيين، وسوف
يضفي تداول تلك المعلومات المصداقية والطرح الرصين عند الكتابة أو النقاش حول
منهجية العمل الوطني.
إن البيانات والأرقام والإحصاء من الأدوات التي تشكّل اتجاهات حقيقية نحو التحليل
الدقيق للظواهر الاجتماعية والاقتصادية، وكما يقال إن غياب المعلومات يعني أن هناك
عدم ثقة بين الذي يمتلك المعلومة والمتلقي لها، وهذا يزيد من الفجوة المعلوماتية،
كما تشير إلى ذلك عدد من الدراسات الاستراتيجية الحديثة.
صحيح أن هناك نوعا من المعلومات التي تحرص عليها الدول لتكون في إطار السرية وهذا
أمر مفهوم، ولكن نحن نتحدث عن معلومات تتعلق بالخدمات وما يفيد المواطن في حياته
ومعيشته اليومية، إضافة إلى أن توفر وتداول المعلومات من مصادرها الحقيقية سوف
يخلقان مناخا أكبر من الثقة والمصداقية حتى لو كانت تلك المعلومات سلبية؛ لأن
الوقوف على السلبيات يعني أهمية معالجتها في إطار من الشفافية والنقد الموضوعي،
وهذا الأخير هو جزء من السلوك الحضاري الذي يقود إلى حلول لتلك السلبيات. فالجزء
المهم من إيجاد الحلول هو الاعتراف أولا بوجود السلبيات وإظهارها والتصميم على حلها
وإطلاع الرأي العام على ما يدور في المجتمع؛ لأن ذلك يخلق شراكة حقيقية بين الدولة
والمجتمع ووعيا عاما بأن الصعوبات التي تواجه الدول على أي صعيد تحتاج إلى التكاتف
واللحمة الوطنية، وهو الأمر الذي أظهره الشعب العماني الأصيل مع قيادته خلال
السنوات الثلاث الأخيرة من عهد النهضة المتجددة وفي ظل أوضاع اقتصادية صعبة. ولا شك
أن المرحلة الآن تعد إيجابية والاقتصاد الوطني في وضع جيد ومستقر في ظل التصنيف
الإيجابي من قبل وكالات التصنيف الثلاث الدولية.
ولهذا، فإن المشهد الوطني يحتاج إلى قانون حرية تداول المعلومات خاصة في هذه
المرحلة التي تداخلت فيها المعلومات الحقيقية والمعلومات غير الدقيقة حتى تصل إلى
مرحلة التضليل، وهي مرحلة تحتاج إلى الشفافية في تداول المعلومة، وأن تشهد الجهات
الحكومية حركة في نشر المعلومات في ظل التوجه إلى تعيين متحدثين إعلاميين، خاصة أن
تداول المعلومات بحرية أصبح جزءا أصيلا من الأدوات الحضارية للدول ومن حقوق
المواطنة، بحيث يطّلع المواطن على الأرقام والبيانات باعتباره شريكا يتحمّل
المسؤولية الوطنية، كما يقال، في الشدة والرخاء. هذا هو المنطق الصحيح وينبغي على
المسؤولين في الدولة أن يدركوا هذا الجانب المهم فيما يخص تداول المعلومات إعلاميا،
لأن ذلك يعطي مؤشرات إيجابية وخلق إرادة وطنية نحو الشراكة المجتمعية.
المرسوم السلطاني وفقاً لأخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم 31 لسنة 2012 بإنشاء المركز
الوطني للإحصاء والمعلومات