جريدة أثير
الأحد 8 أكتوبر 2023 م - ٢٢ ربيع الأول ١٤٤٥ هـ
مات شخصٌ وعليه
ديون؛ فكيف تُسدَّد؟
(مِنْ بعد وصيةٍ يُوصي بها أو
دَيْن) [النساء- 12] ذكر الله تعالى أصحاب الفروض ومال لهم من حصص في الميراث قبل
ذلك، وجاء عقب ذلك مقيدًا لإطلاق النص أن يكون توزيع الميراث لمن يستحقه من أصحاب
الفروض بعد الوصية أو الدين، وهناك قاعدة فقهية معروفة تقضي بأنه “لا تركة إلا بعد
سداد الديون”، والتركة هي ما يتركه المتوفى من أموال وحقوق، لكن ما الذي تعنيه هذه
القاعدة؟ فهل تعني هذه القاعدة بأن ديون التركة لا تنتقل إلى الورثة كما تنتقل
حقوقها؟ وأن التركة لا تنتقل إلى الورثة إلا خالصة من الديون؟
في هذه الزاوية القانونية عبر “أثير” سنجيب عن هذه التساؤلات بشيء من التفصيل.
إن المادة (233) من قانون الأحوال الشخصية تنص على أن: “تتعلق بالتركة حقوق، مقدم
بعضها على بعض، حسب الترتيب الآتي:
1- نفقات تجهيز المتوفى بالمعروف.
2- قضاء ديون المتوفى.
3- تنفيذ الوصية.
4- إعطاء الباقي من التركة إلى الورثة.
وتنص المادة (882) من قانون المعاملات المدنية أنه: “بعد تنفيذ التزامات التركة
يؤول ما بقي من أموالها إلى الورثة كل بحسب نصيبه الشرعي.”
ومن التسلسل المتقدم لترتيب الحقوق على تركة الميت نجد أن المشرع حددها وفق المتقدم
بطريق مقدم بعضها على بعض فتجهيز المتوفى يكون من ماله بالمعروف؛ أي بدون إسراف أو
خروج عن المألوف، ثم يأتي عقب ذلك قضاء ديون المتوفى فهي حقوق للغير مقدمة على
الوصية وقسمة الميراث، فيأتي استحقاقها للغير مباشرة بعد إخراج نفقة تجهيز المتوفى،
فيقضى مما تركه من مال ما عليه من دين للغير، ثم يعقب ذلك أن تنفذ وصيته في حدود ما
تبقى بعد قضاء الديون، فتنفذ الوصية الجائزة فقط في حدود ثلث ما تبقى من مال، وعقب
ذلك يقسم ما تبقى من تركة على الورثة وهنا تسمى التركة ميراثًا، وتكون قسمة الميراث
بعد أن أضحى خالصًا من دين أو نحوه على المتوفى، فلا تنتقل الديون التي ترتبت على
المتوفى إلى الورثة؛ ذلك أن المتعارف عليه فقها وقانونا أن الذمة المالية للوارث
مستقلة عن الذمة المالية للمورث، وأن أموال وأعيان التركة منفصلة عن أموال الورثة
الخاصة، لذا فإن ديون المورث تتعلق بتركته بمجرد وفاته، وكما جاء في المواد سابقة
الذكر فإنه يكون للدائنين على التركة حق عيني، فيتقاضون منها ديونهم قبل أن يؤول
شيء منها للورثة، ولا تنشغل ذمة الورثة بديون مورثهم إلا بحدود التركة، ومن ثم فلا
تنتقل التزامات المورث إلى ذمة الوارث لمجرد كونه وارثا.
وبالتالي فإنه يجب أداء ديون المورث أولا وبعدها قسمة ما تبقى منها، وفي حال
استغرقت ديون المورث كل التركة لا يمكن للدائنين الرجوع على الورثة لاستيفاء ديونهم
منهم؛ بيد أنه متى ما باشر الورثة قسمة التركة قبل سداد الديون، وظهر عقب ذلك أن
على المتوفى ديونًا بعد أن تداخلت أموال التركة مع أموال الورثة الخاصة، فقد نصت
المادة (825) من قانون المعاملات المدنية أنه: “إذا ظهر دين على الميت بعد تقسيم
التركة تنفسخ القسمة إلا إذا أدى الورثة الدين أو أبرأهم الدائنون منه أو ترك الميت
مالا آخر غير المقسوم وسدد منه الدين.”، فيتضح أن المشرع رتب أثر الفسخ على القسمة
التي تمت قبل سداد الديون، فمتى ما ظهر دين على المتوفى تفسخ القسمة، ويعود المال
بمقدار نصيب كل وارث لسداد دين المتوفى، وهنا يتعيّن الملاحظة أن ما يرجع هو فقط ما
دخل في مال كل وارث من نصيبه من تركة مورثه فقط ويجب أن يكون خالصًا غير مختلط مع
مال الوارث الخاص، فينفذ سداد الدين على ما رجع من أموال التركة بعد الفسخ، وما
يتبقى عقب ذلك تعاد معه قسمة الميراث للورثة.
وغني عن البيان أن المشرع لما قرر أثر الفسخ فلم يتركه على إطلاقه تفاديًا لما قد
يتبع ذلك من ضرر على الورثة، فقرر أنه متى ما كان قد تبقى لحظة ظهور الدين على
المتوفى مال لم تطله القسمة وكان كافيًا لسداد الدين فينفذ سداد الدين عليه أولًا،
وقد يسأل سائل بأنه إذا لم يكن ما تبقى من تركة لم تطله القسمة كافيًا لسداد الدين؛
فهل يتم الفسخ للقسمة أولًا أم ينفذ على هذا المال قبل الفسخ وما تبقى يرجع به على
نصيب الورثة؟ وهذه مسألة فنية يفصل فيها قاضي التركة كون الأمر يخضع للتقدير
والترجيع في أيمها أخف ضررًا؛ هل التنفيذ على المال ثم فسخ القسمة بمقدار ما تبقى
من مال أم فسخ القسمة مباشرة دون التنفيذ على المال الذي لم يقسم، والفسخ للقسمة
ليس جزاء يعاقب به الورثة لقسمتهم أموال التركة قبل سداد الديون؛ فهو كما تقدم من
نص يمكن تلافيه إذا قام الورثة بسداد الدين أو أبرأهم الدائنون منه، فلا يترتب على
إثر ذلك فسخ القسمة، ويبقى كل وارث بما حصل عليه في نصيبه.
وأكدت المحكمة العليا أنه يجب الفصل في ديون المورث قبل تقسيم الميراث على الورثة
وذلك في الطعن رقم (591/ 2016) جلسة يوم الاثنين الموافق 24/4/2017م بما قضت فيه
أنه: “على المحكمة أن تفصل: أولا: في الديون التي على الميت، وتخرجها من جملة
التركة؛ لأنه أول حق يتعلق بتركة الميت فإن لم يثبت الدين تبين ذلك في حكمها.
ثانيا: تفصل في الوصايا إن كانت جائزة شرعا، وتقضي الجائزة إنفاذه، وتبطل غير
الجائز وتبين ذلك في حكمها. ثالثا: تقسم التركة الباقية بعد إخراج متعلقات التركة
إن كانت تنقسم على الورثة بعد تثمينها ومشاورة الوراث والقسم بينهم رضائية وإلا
حكما.”
والخلاصة: لا تركة إلا بعد سداد الديون؛ تعني أن التركة لا تنتقل إلى الورثة إلا
بعد سداد جميع ديون المورث، وفي حال استغرقت الديون كل التركة لا ينتقل شيء إلى
الورثة، وإذا زادت الديون عن التركة فإن الورثة غير ملزمين بسداد ديون مورثهم ذلك
أن الذمة المالية للمورث منفصلة عن الذمة المالية للورثة.
مرسوم سلطاني رقم 29/2013 بإصدار قانون
المعاملات المدنية
مرسوم سلطاني رقم 32/97 بإصدار قانون
الأحوال الشخصية
مرسوم سلطاني رقم 68/2008 بإصدار قانون الإثبات في
المعاملات المدنية والتجارية
قرار وزارة العدل رقم 189/ 2017 بتحديد رسوم الدعاوى المدنية ودعاوى
الأحوال الشخصية