السبت 22 نوفمبر 2014 م -
٢٩ محرم ١٤٣٦ هـ
جريدة عمان
أزمة
النفط العالمية.. صراع سياسي أم زيادة في الإنتاج ؟
التبعات المترتبة على
الاقتصاد العالمي نتيجة انخفاض الأسعار –
تقرير يكتبه لـ عمان: إميل أمين –
ما الذي يجري حول العالم في شأن المخزون العالمي من النفط من جهة، وعلى صعيد أسعار
النفط المتقلبة بشدة من جهة أخرى ؟ المتابع للأحداث العالمية في الأشهر الأخيرة يرى
تراجعاً كبيراً في أسعار النفط ، الأمر الذي بات يلتبس على كثير من المراقبين
والمحللين، فهل الأمر صراع سياسي يستخدم فيه النفط كسلاح، أم زيادة في الإنتاج عند
بعض الأطراف، ما يؤثر على الأسعار العالمية لهذه السلعة شديدة الأهمية ؟ أم أن هناك
مؤامرة ما حول العالم تتصل باستخدام النفط لتحقيق أهداف تجمع بين السياسة والاقتصاد
في وقت واحد ؟
مهما يكن من أمر الأسئلة المتقدمة فإن هناك علاقة ما تربط بين أسعار النفط من جهة
وحال الاقتصاد العالمي من ناحية ثانية، لاسيما وأن الاقتصاد العالمي يدخل حالة من
عدم اليقين في العام المقبل 2015، يتمثل بركود في منطقة اليورو، وتباطؤ في الاقتصاد
الصيني، مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر انحدار عالمي … أين الحقيقة في أزمة أسعار
النفط ؟ هذا ما نحاول أن نفهمه في هذه القراءة.
كما هو معلوم يعد النفط من المواد التي تنضب مهما كان حجم المخزون منه، وكلما جاءت
القراءات لتشير إلى اقتراب حجم النفط المخزن في باطن الأرض حول العالم كلما ارتفعت
أسعار النفط حول العالم، غير أن الأوضاع تمضي ربما في شكل علاقة عكسية هذه
المرة.فوفقاً لشركة «بريتش بتروليوم» الشهيرة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية
تمتلك نحو 44.2 مليار برميل، وهي أعلى بنسبة 26% ومما كان يعتقد في السابق، وسبب
هذه الزيادة هي ثورة النفط الصخري التي ينتظر أن تعيشها أمريكا مستقبلاً بالتزامن
مع ثورة الغاز الصخري. ومؤخراً قامت شركة «بريتش بتروليوم» بتحديثات مثيرة للاهتمام
لاحتياطاتها النفطية العالمية، حيث قدرت احتياطات النفط العالمية في آخر استعراض
سنوي بزيادة 1.1% لتصل إلى 1687.9 مليار برميل، مشيرة إلى أن هذه الاحتياطات كافية
لتغطية حاجات النفط على مدة 53.5 سنة إذا ما واصل العالم معدلات الإنتاج الحالية …
هل كميات النفط العالمية مرشحة للتزايد في الأيام القادمة ؟ ربما يكون ذلك صحيحاً
بالفعل ويرجع الأمر إلى الزيادة في احتياطات النفط الصخري حيث يتم التنقيب عن النفط
باستخدام تقنية الحفر الأفقي في آبار كانت مغلقة في السابق، وبالرغم من الزيادة
الكبيرة في الاحتياطات خلال العام الماضي، يبدو أن هناك احتمالا بوجود أكثر مما كان
متوقعاً بكثير.
كما يتوقع أن هذه التقنية الجديدة ستمكن من توفير 75 مليار برميل من النفط والغاز
القابل للاستخراج، وهذا العدد في الواقع مرتفع كثيراً بالمقارنة بالعام الماضي، حيث
كان متوقعاً وجود 50 مليار برميل من النفط والغاز القابل للاستخراج.
والمعلوم أن التقنيات الجديدة المستعملة في استخراج النفط الصخري ستمكن من استغلال
مواقع استخراج جديدة مثل منطقة توسكالوسا البحرية، وجبال روكي ليساهم في نمو متزايد
للاحتياطيات، مما يثبت مرة أخرى أن انتعاش الطاقة في أمريكا بدأ لتوه وأن أمريكا
تقف على أعتاب ثورة حقيقية في مجال الطاقة.
هل ستتغير مواقع الدول المنتجة للنفط على هذا الأساس ؟ وهل سيؤثر هذا التغيير على
مقدرات الشرق الأوسط السياسية بنوع خاص في العقود القادمة بعد أن ظلت تلك المنطقة
ما هي المنتج الأول والأكبر للنفط حول العالم ؟
أمريكا أكبر منتج
في أوائل شهر أكتوبر المنصرم، أشارت صحيفة التايمز البريطانية إلى أنه من المزمع أن
تتوج الولايات المتحدة كأكبر منتج للنفط في العالم هذا الشهر، مطيحة بالسعودية من
صدارة القائمة للمرة الأولى من عشرين عاماً، لافتا إلى أن الطفرة في إنتاج النفط
والغاز في الولايات المتحدة أدت إلى زيادة الإنتاج من 8 ملايين برميل في اليوم عام
2001، إلى نحو 12 مليون برميل في اليوم، وبذلك تنهي أمريكا سيادة السعودية لإنتاج
النفط في العالم.الصحيفة البريطانية الشهيرة تلفت إلى أن ارتفاع إنتاج النفط في
الولايات المتحدة أدى إلى الحيلولة دون حدوث ارتفاع كبير في أسعار النفط في الأعوام
الأخيرة، نتيجة لتعويض النقص في إنتاج النفط في بعض الدول مثل ليبيا التي تعيش
اضطرابات شديدة، وتضيف انه «من المتوقع أن يؤكد التقرير الشهري لوكالة الطاقة
الدولية لشهر سبتمبر أن الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط السائل في العالم»..ما
معنى ما تقدم ؟ باختصار غير مخل يعني أن سوق الطاقة في تحول دائم، وهناك توقع سائد
بأن دور النفط سوف يتراجع في مزيج الطاقة العالمية، مقابل إيلاء دور أكبر للطاقات
البديلة، غير أن هناك مؤشرات تدل على أن اقتصاد النفط الحالي والذي تميز طويلاً
بالأسعار العالية في الأسواق العالمية، لا يشجع فقط على تطوير الطاقات الجديدة
والبديلة ذات التكلفة العالية نسبياً فقط، ولكنه يشجع كذلك على التوجه نحو نوعيات
جديدة من النفط تعبر تكلفة إنتاجها عالية مقارنة بالنفط التقليدي.وبالفعل فقد
تجاوزت الاستثمارات المتوقعة في صناعة النفط التريليون دولار على مدة العشرية
القادمة. ولو ترك سوق الطاقة لقوانين العرض والطلب فقط، فسوف يهيمن النفط غير
التقليدي على منظومة الطاقة العالمية، واستناداً إلى هذه المعطيات، نستطيع أن نلخص
الاتجاهات طويلة الأجل في منظومة الطاقة العالمية في النقاط التالية:
– جميع البيانات تؤكد أنه لا يوجد عجز بنيوي في مصادر الطاقة، وأن العرض من النفط
في الأسواق العالمية المقدر ب 93 مليون برميل في اليوم هو أعلى من الطلب المقدر ب
88 مليون برميل من النفط في اليوم، وما يعزز هذا الأمر الواقع، هو الارتفاع المستمر
للاحتياطي المؤكد العالمي من النفط.
– لا يزال الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) يهيمن على المزيج العالمي من
الطاقة بنسبة تصل إلى 87% من الاستهلاك العالمي للطاقة، ولا تمثل الطاقات المتجددة
أكثر من 2% من الاستهلاك العالمي للطاقة.
– لا يزال النفط هو الوقود الرائد، ويمثل 33.1% من الاستهلاك العالمي من الطاقة،
ولكن هناك تراجعا مستمرا في نسبته من مزيج الطاقة العالمي منذ اثنتي عشرة سنة
متتالية، وذلك لصالح الغاز والفحم، اللذين شهدا نمواً سريعاً قدر بنسبة 5.4% بحسب
أرقام 2011.
– لا تزال البيانات الخاصة باستهلاك الطاقة في العالم تؤكد على انتقال مركز الثقل
من مجموعة الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية OECD إلى الاقتصادات الناشئة،
وخاصة في آسيا وعلى رأسها الصين والهند، وبحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة لعام
2012،ـ ستكون نسبة 96% من الارتفاع المتوقع على طلب الطاقة في العالم، من خارج
منظمة التعاون والتنمية في الفترة الفاصلة بين 2010 ، 2035، ومن الصين والهند خاصة.
– إن ثورة النفط التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية ليست حدثاً طارئاً مؤقتاً،
ولكنها أهم صورة يشهدها قطاع النفط منذ عقود، وتستطيع أن تتكرر في مناطق أخرى من
العالم، وقد تنتج عنها نتائج مذهلة على المدى البعيد.
– من المحتمل أن يكون عصر النفط منخفض التكلفة قد انتهى، ولكن بإمكان التكنولوجيا
والتوسع في المشاريع أن يخفضا مثلما حدث في السابق مع تجربة الإنتاج الحر في بحر
الشمال.
والخلاصة المبدئية في هذا السياق، هي أن التوجه المحوري الذي هو بصدد تغيير الخريطة
العالمية للنفط في العالم، هو بلا جدل ثورة النفط، التي تشهدها الولايات المتحدة
الأمريكية، فقد بدأت ثورة الإنتاج الخاصة بالغاز الصخري، وهو ما مكن من الاستغناء
عن استيراد الغاز في أقل من خمس سنوات.
انخفاض الأسعار حقيقة قائمة
هل يمكن للأسعار الخاصة بالنفط أن تنخفض من جديد ودون المستويات المنخفضة أصلا التي
نراها قائمة في الأسواق اليوم ؟
قبل السادس من أكتوبر عام 1973 كان سعر برميل النفط لا يتجاوز العشرة دولارات، غير
انه لاحقاً قفز قفزة تجاوز المائة دولار في كثير من الأوقات.
ولأن النفط هو الركيزة الأساسية في اقتصاديات الدول المنتجة له لذا رأينا تحركات
واسعة على سبيل المثال من قبل وزير النفط السعودي «علي النعيمي» إلى المكسيك
وفنزويلا من أجل الاتفاق على خفض الإنتاج، وبالتالي ارتفاع الأسعار في الأسواق.
في هذا الإطار يشير خبراء نفطيون إلى أن النعيمي قد يسعى ببساطة إلى توضيح الموقف
الأحدث للسعودية بشأن السوق وتوجيه رسالة صعبة مفادها أن على كبار المنتجين أن
يستعدوا لتحمل فترة من انخفاض الأسعار كي يكبحوا مسيرة «أحدث منافس لهم في سوق
إنتاج النفط، أي الولايات المتحدة الأمريكية»
هنا يشير رئيس شركة «بي – كيه – فيرليجر» الاستشارية، والمستشار السابق للرئيس
الأمريكي جيمي كارتر، أظن أن النعيمي سيبلغ الفنزويليين بالحقيقة العارية، بأنه
ينبغي أن تنخفض الأسعار انخفاضاً كبيراً، وتعتبر المديرة التنفيذية للطاقة
والاستدامة في جامعة كاليفورنيا «دافيس آمي مايرز» أن هناك بعض التغيرات والفرص
المثيرة للاهتمام اليوم في ضوء أن الولايات المتحدة أصبحت منتجاً كبيراً للخام
الخفيف فينخفض الكبريت وقد تكون الجولة مؤشراً مبكراً على أن الدول الثلاث التي
كانت يوماً تتنافس منافسة حادة فيما بينها على بيع الخام الثقيل إلى السوق
الأمريكية المجزية، تجد هدفاً مشتركاً في مواجهة الخطر المتصاعد بسرعة للنفط الصخري
ورمال القطران لأمريكا الشمالية.
حدود الانخفاض
قبل أيام قليلة على اجتماعات منظمة البلدان المصدرة للبترول «اوبك» في فيينا، لا
توجد بادرة على أن الأعضاء الخليجيين الرئيسيين يستعجلون تقليص الإمدادات، ومن دون
خفض إنتاج أوبك أو تباطؤ حاد لإنتاج النفط الصخري الأمريكي، فإن بعض المحللين
يتوقعون استمرار تراجع الأسعار في العام المقبل، ويرفض المسؤولون في فنزويلا
والمكسيك الإفصاح عما إذا كانت هناك أي مباحثات مباشرة مزمعة بين مسؤولي النفط.
والمثير في الأمر هنا أن المسؤولين الفنزويليين يتقدمون علناً الحديث عن «حرب
أسعار» بعد قيام السعودية بخفض أسعار صادراتها من الخام، والذي رأى فيه البعض
مؤشراً على أن أكبر مصدر في العالم قد حول استراتيجيته إلى الدفاع عن حصته في
السوق، حتى لو أدى ذلك إلى خفض الأسعار العالمية، والآن تكافح فنزويلا لمنع تراجع
الإنتاج من جهة أخرى، ويعتبر رئيس «فورين ريبورتس» في واشنطن «ناثانيال كيرن» أنه
إذا كنت تريد خفض الإنتاج فإن آخر مكان تذهب إليه في الوقت الحالي هو كراكاس أو
مكسيكو سيتي» .
الصراع على النفط
هل يعني المشهد الحالي للنفط أن هناك صراعا بين واشنطن والرياض سيزداد اشتعاله في
العام والأعوام المقبلة بشكل كبير ؟ في أحدث تقرير للفانينشال تايمز نقرأ أنه من
خلال تشجيع انخفاض أسعار النفط، تخوض المملكة العربية السعودية مقامرة محسوبة في
علاقاتها المتوترة بالفعل مع الولايات المتحدة، على أمل أن يكون الضرر المحتمل
لصناعة الصخر الزيتي في أمريكا ستقابله الجوائز الجيوسياسية والاقتصادية المعروضة
على واشنطن.وفي الوقت الذي تقاتل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية
السعودية في حرب جديدة معاً في العراق وسوريا اتخذت السعودية خطوة جريئة من أجل
تأكيد دورها المحوري في سوق النفط والضغط بمهارة على تمويل بعض الشركات العاملة في
مجال الصخر الزيتي في أمريكا.
لكن في الوقت نفسه، فإن انخفاض أسعار النفط سيؤدي بحكم الواقع إلى خفض الضرائب
بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، وإذا استمر فإنه سوف يضرب كلا من روسيا وإيران في
الوقت الذي تسعى فيه واشنطن للضغط على كلا البلدين.
هل خطوات المملكة العربية السعودية في هذا السياق محسوبة بالفعل وبمهارة واضحة
وشديدة ؟ عند «ديبورا غوردن» أن ذلك كذلك بالفعل، إذا ترى أن الضغط السعودي على
أسعار النفط باعتباره سوف يسبب مشاكل للمنافسين والخصوم مثل روسيا وإيران وتقول أنه
يبدو أن السعوديين قد خلصوا إلى أن هذا يمكن أن يغير قواعد اللعبة بالنسبة لهم.ومع
تباطؤ الطلب العالمي على النفط بشكل حاد، وكون إنتاج الولايات المتحدة منه في
ارتفاع عارم، واجهت المملكة العربية السعودية الخيار التالي، وهو خفض الإنتاج
لتحقيق الاستقرار في السوق، وتحمل العبء بنفسها، ولكن بدلا من ذلك، يبدو حتى الآن
أنها قد قررت السماح بانخفاض السعر، ومع تزايد الإنتاج النفطي الجديد في الولايات
المتحدة وغيرها، والذي يهدد مستقبل أوبك، وفقد ذكر السعوديون سوق النفط بدورهم
المركزي في تحديد الأسعار.
تبعات انخفاض الأسعار
ومما لاشك فيه أن انخفاض أسعار النفط ستكون له تبعات مستقبلية لاسيما على التوازنات
المالية للدول التي تعتمد اعتماداً كبيراً جداً وأساسياً بشكل رئيسي على النفط كأحد
مصادرها للدخل.خذ إليك ما ذكره معهد «أكسفورد لدراسات الطاقة» في أواخر شهر أكتوبر
الماضي، إذ أشار إلى أن المملكة العربية السعودية سوف يلحق بموازنتها العامة عجز
حال تراجع أسعار النفط إلى 83 دولارا للبرميل، وسيتفاقم العجز في روسيا ونيجيريا،
إذا وصل السعر لهذا المستوى، ويضيف المعهد في تقرير له أن وصول سعر برميل النفط إلى
83 دولارا للبرميل، سيؤدي إلى حدث عجز قدره 66 مليار دولار بموازنة السعودية التي
تحقق فوائض في موازنتها منذ سنوات مع ارتفاع أسعار النفط في العالم.
ويضيف التقرير أن السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، يمكن أن تحتمل انخفاض أسعار
النفط في المدى القريب، بفضل تراكم الأصول الأجنبية الكبيرة لديها.
ويرى المعهد أن السعودية التي يشكل النفط أكثر من 90% من إيرادات الموازنة، تقبل
انخفاض أسعار النقط للحفاظ على حصتها بالسوق، حيث تسعى للإبقاء على الصادرات عند
نحو 7 ملايين برميل/يومياً، لعدة أسباب منها للحفاظ على علاقة الزبائن في سوق تشهد
مزيدا من المنافسة، كما أنها مستعدة لخوض مفاوضات شاقة مع الدول الأعضاء في منظمة
البلدان المصدرة للنفط (أوبك) بفيينا في 27 نوفمبر الجاري.
ويؤكد التقرير أن الدول المنتجة للنفط تضع نصب عينيها إيرادات التصدير، ففي حال
تصدير السعودية 7 ملايين برميل يوميا بسعر 75 دولارا، ستبلغ الايرادات 525 مليون
دولار يومياً، وترتفع الإيرادات حال وصول سعر البرميل إلى 100 دولار إلى 650 مليون
دولار يومياً، ووضعت الحكومة السعودية موازنة العام الجاري 2014 بنفقات قدرها 855
مليار ريال (228 مليار دولار) وتوقعت أن تتساوى إيراداتها مع المصروفات دون فائق،
وحققت الميزانية السعودية لعام 2013 فائضاً قدره 206 مليارات ريال (55 مليار دولار)
سياسات دول العالم
هل لأسعار النفط علاقة ما بالسياسات الدولية وتوجهات الدول ؟ ربما هذا ما يقرره
تقرير أخير صادر عن مجلة الإيكونوميست البريطانية الشهيرة، والتي تشير إلى أنه كان
لانهيار الاتحاد السوفيياتي في عام 1991 أسباب عديدة، إلا أن أحدهما لم يكن أساسيا
مثل انخفاض أسعار النفط، مادة التصدير الرئيسية، بمقدار الثلثين في الفترة ما بين
عامي 1980 و 1986، وعلى نفس المنوال استمر فلاديمير بوتين 14 عاما في الحكم، مدعوما
بزيادة بلغت ثلاثة أضعاف في أسعار النفط.
ومع انخفاض سعر النفط مرة جديدة ماذا عن الدول المرشحة للتأثير سياسياً؟
وبالنسبة للحكومات في الدول المستهلكة، يقدم انخفاض السعر بعض الانفراج في
الميزانية، حيث يستخدم دعم الوقود كميات ضخمة من المال في العديد من البلدان
النامية، ويمثل 20% من الإنفاق العام في اندونيسيا و14% في الهند، لذا فإن انخفاض
الأسعار يعطي الحكومات الفرصة لإنفاق المال بشكل أكثر إنتاجية أو إعادته إلى دافعي
الضرائب، وقد مهدت الهند هذا الطريق بإعلانها نهاية دعم الديزل. أما بالنسبة لتلك
الحكومات التي تستخدم الإيرادات الاستثنائية من ارتفاع الأسعار لاتخاذ سياسات
خارجية مستقلة، تراها بعض الدوائر الإمبريالية الغربية «عدوانية» فعلى النقيض من
ذلك، يمكن أن يكون الوضع غير مريح بالمرة، وتعتبر أهم تلك الدول التي ستصبح أكثر
ضعفاً هي فنزويلا وإيران وروسيا.
فقد تكون فنزويلا أول المتضررين، وهي الموطن المعادي «إيديولوجيا» للولايات المتحدة
بعد «الثورة البوليفارية» التي حاول فيها الراحل «هوجو تشافيز» تصديرها إلى جميع
أنحاء منطقته، حيث تعتمد ميزانية فنزويلا على تقدير سعر النفط 120 دولارا للبرميل،
وحتى قبل أن ينخفض السعر كانت فنزويلا تكافح من أجل سداد ديونها، فاحتياطيات النقد
الأجنبي آخذة في التضاؤل والتضخم متفش والفنزويليون يعانون دائماً من نقص السلع
اليومية.
ويرى البعض أن إيران هي أيضاً في موقف صعب، حيث تحتاج أن يكون سعر النفط حوالي 140
دولارا للبرميل، لتحقيق التوازنات في الميزانية السخية مع خطط الإنفاق الباذخة التي
أرساها رئيسها السابق، محمود أحمد نجاد، فالعقوبات التي تهدف لكبح برنامجها النووي
تجعلها في خطر بوجه خاص.
هل روسيا بعيدة عن دائرة التأثير هذه ؟
بالنسبة لروسيا فإن انخفاض السعر يعني أن قيمة عملة الروبل قد انخفضت أقل من قيمة
الدولار، والإيرادات الضريبية، وهو ما يخفف ويحد من العجز في الميزانية، كما أن
الكرملين يمكنه الاعتماد على الأموال وحفظها في صناديق الاحتياط، وربما تستطيع
روسيا التعامل مع أسعار اليوم لمدة 18 شهراً إلى سنتين، ولكن المال سينفد في نهاية
الأمر، فالتطوير العسكري الذي يقوم له بوتين، والذي يمتص 20% من الإنفاق العام يشبه
البذخ، كما أن العقوبات قد تخنق الاقتصاد وتجعل من الصعب على روسيا الاقتراض، كما
أن الروس الأكثر فقراً سيكونون أقل قدرة على تحمل تكلفة السلع الغذائية
والاستهلاكية المستوردة، لذا فإذا ما بقى سعر النفط كما هو الآن، فإن ذلك من شأنه
تعزيز السخط الشعبي.
اليابان والطاقة النووية والنفط
ضمن علاقات الاستفهام في هذا المجال : هل استخدام الطاقة النووية يؤثر بشكل سلبي
على أسعار النفط حول العالم ؟ المعروف أن اليابان من أكثر الدول استيرادا للنفط
لتشغيل آلتها الصناعية الكبيرة، وقد راهن الكثيرون مؤخراً على أن استهلاك اليابان
من الطاقة سيزداد بشكل كبير في الأعوام القادمة بسبب عدم الرغبة في استعمال الطاقة
النووية، تلك التي خلفت كارثة فوكاشيما منذ أربعة أعوام.
غير أنه في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر الجاري، وافقت محافظة كاجوشيما على إعادة
تشغيل مفاعلين نوويين، فقد أعطى محافظ كاجوشيما موافقته على إعادة تشغيل المفاعلات
النووية، سينداي 1 ، 2 مما يمهد الطريق أمام العودة إلى الخدمة لهاتين الوحدتين، في
بداية عام 2015، وذلك بعد تطبيق المعايير الصارمة التي وفرها بعد حادث فوكوشيما في
عام 2011.
وكانت موافقة محافظ هذه الولاية من الجنوب الغربي الياباني الذي له القول الفصل في
مثل هذه الملفات، استناداً إلى ضمانات قدمتها له الشركة المشغلة، كيوشو للطاقة
الكهربائية، كما أعلن خلال مؤتمر صحفي على أنه بعد الأخذ في عين الاعتبار بجملة من
العوامل المختلفة، فقد تبين أنه لا مفر من إعادة تشغيل المفاعلات النووية سينداي 1
، 2»
لم يكن العودة إلى خيار الطاقة النووية في اليابان يسيراً أو سهلاً، فقد استغرق
الأمر ما يقرب من أربعة عشر شهراً، حتى تطبق جميع معايير السلامة على هذه المفاعلات
النووية قبل بداية تشغيلها، وستكون الخطوة المقبلة موافقة الحكومة اليابانية
اليمينية، هذه الموافقة تعتبر مضمونة مبدئياً والتي يجب أن تتبعها جملة من
الإجراءات الفنية.
على أن المدافعين عن البيئة استنكروا هذا القرار، غير أنه أمام هذه الاحتجاجات التي
يقودها المدافعون عن الطبيعة، ومع معارضة المواطنين بينت الحكومة اليمينية
اليابانية ورجال الأعمال المؤيدون للطاقة النووية أن «الاقتصاد الياباني
والاستقلالية، فيما يحص إمدادات الطاقة، ستقوض مع إيقاف جميع المفاعلات النووية في
اليابان».
كما أنهم شددوا على وجه الخصوص على أن «الأرخبيل الذي تمنع في السابق بفائض تجاري
هام، وأصبح اليوم فريسة للعجز الكبير، نتيجة فاتورة النفط المستورد، كما بينوا أن
«اليابان لا تفتقر إلى الكهرباء، مع أسطول كبير من محطات توليد الطاقة (الكثير منها
تم إحياؤها لمعالجة نقص الطاقة الذرية) ولكن هذه المحطات تتسبب في تلوث كبير ناتج
عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون» .
شرق أوسط أقل أهمية
ولعل أفضل ما يمكن أن نختم به هذه القراءة عن أحوال النفط، هو ذاك الحديث الذي يتصل
بين السياسة والاقتصاد والإستراتيجية، وعلامة الاستفهام هنا هل سيضحى الشرق الوسط
أقل أهمية بالنسبة لكافة الدوائر العالمية، لاسيما بالنسبة للولايات المتحدة
الأمريكية ولأوروبا حال فقدان النفط أهمية الكمية أو القيمية على حد سواء ؟ في
أوائل أكتوبر المنصرم صدر عدد جديد من مجلة «بوليتكو» الأمريكية الشهيرة، وبها
تقرير هام كتبه «جاستين لوغان» جاء تحت عنوان «الشرق الأوسط غير مهم للغرب … وليس
سوى مضيعة للوقت» يقول التقرير أن الشرق الأوسط هو هاجس نخبة السياسة الخارجية
الأمريكية الولايات المتحدة لا تزال تتعثر في المنطقة، وهي الآن في حالة حرب في
سوريا، إضافة إلى العراق، وما هو عجيب أكثر حول كل هذا، هو أن الشرق الأوسط غير
مهم، وأن واشنطن سوف تكون أفضل إذا ما تركت المنطقة بحالها، ما الذي يجعل المنطقة
غير مهمة على هذا النحو ؟
بحسب «جاستين لوغان» المنطقة عبارة عن قزم اقتصادي، ويمثل الناتج المحلي الإجمالي،
بما فيه النفط لجميع دولها مجتمعة ما يقرب من 6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي
العالمي، وعدد سكانها يقترب من 5% فقط من سكان العالم، وقواتها العسكرية متواضعة
جداً … لكن على الرغم من ذلك يظل لهذه المنطقة أهميتها بالنسبة للسياسة الخارجية
للولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما فيما يتعلق بالنفط … لماذا ؟
الشاهد أن واضعي السياسات في واشنطن يخشون من أن الحروب أو عدم الاستقرار الإقليمي
سيهدد قدرة منتجي النفط على الحفاظ على إنتاجهم ضمن أسواق الطاقة العالمية وهو ما
قد يعرقل النمو الاقتصادي، ويرسل الاقتصاد العالمي إلى حالة من الفوضى، وربما لا
يقوم هؤلاء المسؤولون بالإفصاح عن هذه الحجة بشكل صريح لأنها خاطئة.
النفط هو سلعة قابلة للاستبدال تباع في الأسواق العالمية، وعندما يرتفع سعرالنفط في
دولة واحدة، يرتفع سعره في جميع البلدان، حتى تلك التي حققت «استقلال الطاقة»
وعلى جانب العرض عندما ينخفض العرض، ترتفع الأسعار، وهو ما يخلق لدى المنتجين حافزا
لإنتاج المزيد من النفط لجني أرباح أعلى، وبالجمع بين المصلحة الذاتية للمنتجين
والابتكارات المالية، مثل الأسواق الفورية والآجلة، والتي تسمح للمستهلكين بالتحوط
من المخاطر، يصبح من السهل أن نرى لماذا وتاريخياً كان لتعطل الإمدادات آثار محددة
وسريعة الزوال على السعر.
على أن المؤكد في جميع الأحوال وحسب الإستراتيجيات الأمريكية الجديدة للأمن القومي،
هو ضعف أهمية المنطقة بالنسبة للغرب في الحال، واستمرار هذا التناقض التدريجي في
الاستقبال بالنسبة لموارد النفط، التي تنفجر حول العالم، وأن بقيت هناك أهمية خاصة
للمنطقة بسبب قربها من إسرائيل، ومن جراء الإرهاب المتصاعد فيها، وحتى لا تترك
فضاءً متسعاً للصحوات الروسية والصينية القادمة والتي يهمها نفط الشرق الأوسط في كل
الأحوال، حتى وإن ضعف وقل ثمنه.
مرسوم سلطاني رقم 8/
2011 بإصدار قانون النفط والغاز
وزارة النفط والغاز قرار وزاري رقم 14/ 2012 بإصدار اللائحة التنظيمية لفحص الآبار
وحرق المواد البترولية ونفث الغاز الطبيعي والمكثفات
نفط
عمان يسجل 106.46 دولار أمريكي