جريدة الوطن الأحد 4
فبراير 2018 م - ١٧ جمادي الأولي١٤٣٩ هـ
قضاة
ومحامون وباحثون قانونيون يشيدون بما تضمنه القانون من مواد ونصوص حديثة تعد نقلة
نوعية في التشريع العماني
جاء صدور قانون الجزاء
الجديد بالمرسوم السلطاني رقم:(7 /2018) كعلامة فارقة في تاريخ التشريعات العمانية
الحديثة لما يمثله من أهمية بالغة على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية
والأمنية ، والذي يحتم في هذه المرحلة إيلاءه عناية خاصة من قبل القانونيبن والعامة
لدراسته والإحاطة بأحكامه.
وقد احتوى هذا القانون على نظم الأحكام العامة لقانون الجزاء المتعلقة بمبدأ
الشرعية الجزائية والتعريفات وقواعد تطبيق قانون الجزاء من حيث الزمان والمكان
وأنواع الجرائم وأركانها ..
وللتعرف أكثر حول هذا الجانب .. التقت (الوطن) مع بعض القضاة والباحثين القانونيين
والمحامين ..
* الأب الروحي لمختلف القوانين
بداية يقول سيف بن عبدالله الحوسني قاضي بالمحكمة الابتدائية بمسقط : ودع رجال
القانون في منتصف يناير قانون الجزاء العماني بعد أن استمر العمل به ما يقارب 44
عاماً والذي صدر بتاريخ 16 فبراير 1974 بموجب المرسوم السلطاني رقم:(7 /74)، وخلال
مسيرته المنصرمة طرأ عليه ما يقارب ثمانية تعديلات أتت لتعالج إشكاليات اكتنفت
العمل به ولتضيف أفعالا مجرمة لم تكن موجودة في السابق ، ولعل الحديث عن القانون
السابق يأخذنا للتعريف بقانون الجزاء على وجه العموم .
موضحاً بأن قانون الجزاء يعتبر الأب الروحي لمختلف القوانين الخاصة ويعرف على أنه
مجموعة القواعد القانونية التي تنظم حق الدولة في العقاب على الأفعال التي تنال من
المصالح الجوهرية الجديرة بالحماية القانونية ، وهي قواعد معينة وُضِعت لسلوك
الأفراد ، بحيث يترتب على أي مخالفة لهذه القواعد جزاءً قانونياً يتمثل في العقوبة
وحتى نصل إلى فهم العموم من الناس فإن قانون الجزاء هو القانون الذي يعاقب على
أفعال السرقة والجرائم الماسّة بأمن الدولة الداخلي والخارجي كاغتصاب السلطة أو
التجمهر أو الجماعة الإجرامية المنظمة والجرائم ذات الخطر العام كالحريق والقرصنة
والاعتداء على وسائل النقل والمرافق العامة والجرائم المخلة بالثقة العامة كالتزوير
وتقليد الأختام والعلامات والطوابع والبطاقات وتزييف العملة والسندات المالية
وتزوير المحررات والجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة كانتحال الوظائف والصفات
والتعدِّي على الموظفين وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم والتقصير في أداء واجباتهم
والاختلاس والإضرار بالمال العام اضافة الى تناول قانون الجزاء الجرائم المخلة بسير
العدالة كالبلاغ الكاذب والامتناع عن الإبلاغ وعن تقديم المساعدة وتعطيل الإجراءات
القضائية وتضليل العدالة وشهادة الزور والامتناع عن الشهادة واليمين الكاذبة وهروب
المتهمين والمحكوم عليهم وفك الأختام وإتلاف الإعلانات الرسمية والجرائم المخلة
بالآداب العامة البغاء والفجور والجرائم الواقعة على العرض والأفعال المخلة بالحياء
وكذلك الجرائم التي تمس الدين والأسرة والمجتمع كالاساءة للقران الكريم أو الانبياء
اضافة الى جريمة التسول والجرائم التي تمسُّ حياة الإنسان وسلامته كالقتل العمد
والانتحار والجرائم الماسة بحرية الإنسان وكرامته كالقبض على الأشخاص وخطفهم وحبسهم
والتهديد والسب والقذف والجرائم الواقعة على الأموال كالسرقة وابتزاز الأموال من
بينها جرائم الشيكات والتخريب والإتلاف وفي انتهاك حرمة المساكن والأملاك الخاصة
جميع تلك الجرائم على سبيل المثال .
وقال: إنه تم توديع قانون الجزاء ليعلن عن ولادة قانون جزاء جديد ليضيف أفعال مجرمة
جديدة وليعالج بعض الاشكاليات التي شابت القانون السابق فضلاً عن تشدد القانون
الجديد في العقوبة بالنسبة للكثير من الافعال لاسيما العقوبات المالية نظراً لتغير
الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمتغيرات التي حدثت في الفترة الماضية، كما تناول
القانون الجديد استحداث والغاء وتعديل الكثير من الاحكام في القسم العام منه والتي
تعتبر المرجع لجميع التشريعات الجزائية الخاصة فيما يتعلق بوقف العقوبة والتشديد
والعقوبات التبعية والعفو بقسميه الخاص والعام وتقسيم الجرائم .. وغيرها من الاحكام
التي يحتضنها القسم العام من القانون .
* نصوص حديثة وتغييرات
الدكتور سليمان بن علي القنوبي ـ محامي محكمة عليا وقاضٍ سابق يقول: قانون الجزاء
الجديد اشتمل على عدد من النصوص الحديثة والتغييرات منها ـ على سبيل المثال ـ أن
المشرّع توسع في قيد تحريك الدعوى في عدد من الجرائم على تقديم شكوى من المجني عليه،
وجعل جرائم الشيك من جرائم الشكوى وتنقضي بالسداد قبل رفعها للمحكمة ووقف تنفيذ
الحكم في حالة التنازل ووضع عقوبات تخيرية للقاضي بين السجن او الغرامة في عدد من
الجرائم.
مضيفاً بأن القانون استحدث نوعاً جديداً من الجرائم المتعلقة بالقرصنة والاعتداء
على وسائل النقل والمرافق العامة وتجريم جمع المال من الجمهور دون الحصول على ترخيص
وجرائم السب والقذف، كما قرر القانون نصّاً جديداً لمسئولية الشخص المعنوي حزائياً،
وشدّد العقوبات في بعض الجرائم منها المتعلق بأمن الدولة وتوسع في جرائم تزوير
العملة والسندات المالية وجرائم الاختلاس والإضرار بالمال العام، كما استحدث نصوصاً
تتعلق بالقانون الأصلح للمتهم، وشدّد في ذات الوق في الجرائم التي تمس الدين
والاسرة والمجتمع وأخذ بإزدواجية التجريم حال ارتكاب المواطن العماني لجريمة في
الخارج بشرط العودة للبلاد.
* يضمن العدالة للجميع
ويقول سمير بن خميس السعدي ـ الباحث القانوني بوزارة المالية: من المتعارف عليه ان
أية شريعة جزائية في مجتمع ما يقصد منها تحقيق الردع العام في مواجهة كل جرم ينص
عليه القانون ويعاقب عليه، بما يكفل ويضمن العدالة للجميع، بملاحقة المذنب جزائيا
ومحاكمته محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الضمانات القانونية، وقد تحقق مثل هذا الردع
على الوجه الاكمل منذ فجر سريان قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم:(7
/74)، ومن ثم فإن قانون الجزاء العماني الجديد الصادر بالمرسوم السلطاني رقم:(7/
2018) لم يأت بشيء يغيّر في الاطار العام لتلك الشريعة الجزائية .. الا انه قام
بالتعديل في صياغة اغلب مواد القانون، ووضع نصوص تفصيلة لكثير من الجرائم المعاقب
عليها، بأسلوب تشريعي وصياغه قانونية اكثر وضوحا ومواكبة للتشريعات المقارنة
الحديثة، كما نجد وانسجاما مع مع تطور المجتمعات وظهور اشكال جديده من الجريمة
نصوصا ترسم عقوبات وتتصدى لبعض الافعال التي يعد ارتكابها بمثابة جريمة تستوجب
العقوبة .. كالاشتراك في تنظيمات ارهابية أو تمويل أو تحقق أي شكل من أشكال الدعم
والتحريض والتنسيق تلك الجماعات المصنفة كجماعات ارهابية، بما يتفق ويتناغم مع
الاتقاقيات التي صادقت عليها السلطنة في شأن مكافحة الارهاب وتمويله، وتضمن القانون
كذلك نصوصاً عقابيه تجابه الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية وجريمة تهريب
المهاجرين، وفي جانب تحقق المسؤولية الجزائية نجد اضافة واضحة في مسؤولية الاشخاص
الاعتبارية .. ونجد ان المشرع ايضا مواجهة لظاهرة وجود جرائم متكررة وللحد منها ..
شدد العقوبات المفروضة على بعض الجرائم التي تقع الافراد أو العرض أو المال ..
فهناك تشديد وتعدد للحالات في جرائم الشيك والجرائم التي يرتكبها الموظفين أو تلك
الافعال التي تعتبر اختلاساً أو أضراراً بالمال العام أو السرقة بكافة صورها التي
نصت عليها المواد من (335) حتى (348) من هذا القانون، لنجد ان القانون وبصفة عامة
جاء بمزيد من التنوع والشمولية على أية فعل بعد اتيانه جريمه .. كما أنه جاء بصياغة
تشريعية واضحة تواكب التشريع الحديث.
* نقلة نوعية في التشريع العماني
وقال مهنا بن راشد بن حمد السعدي ـ باحث قانوني بالدائرة القانونية بمجلس الشؤون
الإدارية للقضاء: إن قانون الجزاء العماني الجديد يعتبر نقلة نوعية مهمة في التشريع
العماني جاءت في وقتها وذلك نظراً للنهضة الحديثة التي تشهدها السلطنة تحت ظل
القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله
ورعاه.
مضيفاً بأن أي تشريع قانوني لابد فيه من التطوير والمراجعة والتحديث المستمر ليكون
متماشياً ومتوازياً مع التطور والتغير في الحياة سواء في جانبها السياسي أو
الاقتصادي أو الاجتماعي أو الفكري والثقافي .. الخ، وعليه فإن المشرّع العماني كان
واعيا لهذه الجوانب مواكباً لما تشهده السلطنة من قفزات اقتصادية ملحوظة في مسيرتها
فضلاً عن توجه السلطنة إلى التنويع الاقتصادي بدلا من الاعتماد على مصدر النفط،
فالسلطنة متجهة وبقوة إلى تنويع مصادر الدخل كالاتجاه إلى النشاط السياحي والنشاط
الاقتصادي التجاري خاصة فيما يتعلق بالأنشطة اللوجستية ميناء الدقم نموذجاً وتخصيص
ولاية بركاء كمنطقة اقتصادية لوجستية فضلا عن التوجه لتنشيط عدد من الموانئ لتكون
موانئ تجارية وكذلك المنطقة الصناعية في ولاية صحار، كل هذا النشاط الاقتصادي
والتجاري يحتاج إلى توفر أرضية قانونية عصرية وحديثة حافزة ومشجعة لرؤوس الأموال
العالمية للدخول في الأسواق العمانية وبقوة. فإن لم تجد رؤوس الأموال السقف
القانوني الحامي لها فمن المؤكد أنها لن تجازف بالدخول في السوق العماني.
وقال: من وجهة نظري لقد وفّق المشرّع العماني بإصدار قانون الجزاء العماني الجديد
الذي شهد تغييرا جذريا في عدد كبير من مواده عن القانون السابق خاصة فيما يتعلق
بتغليظ العقوبات لتكون رادعاً لكل من تسول له نفسه الإخلال بأمن البلد أو الوقوع في
شيء من الجرائم والمحظورات.
* مواكبة التطورات
وأخيراً تقول فاطمة بنت مهدي آل عيسى ـ باحثة قانونية بالدائرة القانونية بمجلس
الشؤون الإدارية للقضاء: قانون الجزاء العماني صدر ليواكب التطورات الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية التي ساهمت في ظهور أفعال جرمية باتت تؤرق المجتمع وتستدعي
إلى تطويقها تحت مظلة التجريم والعقاب.
فقد استحدث القانون عدة نصوص تعالج تلك الأفعال المجرمة منها مثلاً ما يتصل
بالوظيفة العامة وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم والتقصير في أداء واجباتهم، وجرائم
الاختلاس والإضرار بالمال العام، وكذلك الجرائم الماسة بحرية الانسان وكرامته،
والجرائم المتعلقة بالتجارة والغش في المعاملات، كما تناول القانون الجديد تعديل
وإعادة صياغة نصوص أخرى منها رفع السقف المقرر لعقوبة الغرامة في الجنح والمخالفات،
وتوسيع نطاق العقوبات التبعية والتكميلية بإضافة عقوبات جديدة كنشر الحكم والتكليف
بأداء خدمة عامة، وكما تبدو من ملامح القانون الجديد بأنه قد أسبغ الحماية الجزائية
الفائقة بمعاقبته الأفعال التي تمس أمان الأسرة والمجتمع كالجرائم التي ترتكب في حق
الأطفال والعاجزين عن رعاية أنفسهم والمارة في الأماكن والطرقات العامة، وتجريم كل
ما من شأنه خدش الحياء والإخلال بالآداب العامة للمجتمع.
مرسوم
سلطاني رقم 7 / 2018 بإصدار قانون الجزاء
قانون الجزاء الجديد إضافة
نوعية لمسار توطيد الأمن العام