جريدة الوطن - الإثنين 23
سبتمبر 2019م - 23 محرم 1441هـ
تعرّف على جرائم الاتجار بالبشر (الجزء الأول)
(الوطن) بالتعاون مع الادعاء العام
ظاهرةُ الاتجار بالبشر ما هي إلا اسمٌ جديدٌ لظاهرةٍ قديمة، قدم البشرية، هي
الرِّق، وإن تعدَّدت أشكالها.
وقد جاء الإسلام وقضى تدريجيًا على الرّق، وذلك من خلال كفارة الذنوب.
وجاءت مرحلة الاستعمار الغربي، بعد ذلك، وأعادت الرّق من جديد، لاستصلاح الأراضي
الشاسعة لمستعمراتها، وغير ذلك من الأغراض، واستمر كذلك لسنينٍ طويلة، قبل أن
تتدرَّج إلى الفناء في القرنين التاسع عشر والعشرين.
يُذكر، في مؤتمر مكافحة العنصرية في ديربين بجنوب أفريقيا، عام 2007م، عدَّت غالبية
الدُّول الأعضاء في الأمم المتَّحدة، ما فعله المستعمر الغربي في مستعمراتها،
ولاسيما الأفريقيةِ منها، جريمة ضد الإنسانية.
وفي السِّياق الاستنكاريِّ نفسه، نصَّت المادة (4) من الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان على الآتي:(لا يجوز استرقاق أو استعباد أيّ شخص، ويحظر الاسترقاق، وتجارة
الرقيق بكافة أوضاعها).
لقد اهتمت الأمم المتحدة حديثًا بظاهرة الاتجار بالبشر منذ تسعينيات القرن العشرين،
لتولُّد أشكال جديدة من هذه الظاهرة القديمة، بما في ذلك استغلال أطفال الشوارع
دروعٍ بشرية في الاعتصامات، والمظاهرات.
* تعريف الاتجار بالبشر:
قبل أن نشير إلى التعريف القانوني الدقيق لهذه الجريمة؛ فقد يكون من المناسب،
تبسيطًا للفكرةِ، وتقريبًا لمضمونِها إلى الأذهان، أن نشيرَ إلى أن التعريف الوارد
في قانون مكافحة الاتجار بالبشر، الذي سنتعرف إليه في العدد التالي، إنما هو قائمٌ
على نقطةٍ جوهرية، مُؤدَّاها أن المجني عليه سلعة، يمكن أن تُباع وتُشترى بالمعنى
المعنويّ للبيعِ والشِّراء؛ وهو أداةٌ في يدِ الجاني؛ يُسيّرُها كيفما يشاء.
والتعريف الدولي الحديث للاتجار بالبشر ظهر في عام 2000م، بصدور بروتوكول منع وقمع
ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، الذي يُعرّفُ الاتجار بالبشر
بأنه: (أ) تجنيد أشخاص، أو نقلهم أو تنقيلهم، أو إيواءهم، أو استقبالهم، بواسطة
التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو
الخداع أو إساءة استعمال السُّلطة أو إساءة استغلال حالة استضعاف لديه، أو بإعطاء
أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض استغلاله،
ويشمل الاستغلال، كحدٍّ أدنى، استغلال دعارة الغير، وسائر أشكال الاستغلال الجنسي،
أو السُّخرة، أو الخدمة قسرًا أو الاسترقاق، أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو
الاستعباد أو نزع الأعضاء.
وعليه، فإن البروتوكول يحدد لنا الأفعال التي تستقيم معها الجريمة، ويشير إليها
الفقه الجنائي بعبارة:(ما الذي يُفعل) ثم الوسائل (كيف يُفعل) وأخيرًا، الأغراض
(لماذا يُفعل)، ثم يشيرُ البروتوكول إلى النص التالي: ولا تكون موافقة ضحية الاتجار
بالأشخاص على الاستغلال المقصود في الفقرة الفرعية (أ) من هذه المادة محل اعتبار في
الحالات التي يكون قد استخدم فيها أيٍّ من الوسائل المبينة في الفقرة نفسها (أ)، ثم
أردف المشرع الدولي في الفقرة (ب)، بالنص التالي: يعتبر تجنيد طفل أو نقله أو
تنقيله أو إيواؤه أو استقباله لغرض الاستغلال (اتجارًا بالأشخاص)، حتى إذا لم ينطوِ
على استعمال أيٍّ من الوسائل المبينة في الفقرة (أ) من هذه المادة.
وقبل أن نورد أحكام القانون العُماني المجرِّم لظاهرة الاتجار بالبشر، نرى من
المناسب أن نستعرض وإياكم كيف تدرَّج التجريم في الاتفاقيات الدولية، وصولاً إلى
التشريعات الوطنية.
يمكن القول أن البذرة الأولى لاتفاقية دولية لمكافحة الاستغلال الجنسي، ظهرت في سنة
1904م، حينما صدرت، في باريس، ما يسمى بالاتفاقية الدولية لقمع الاتجار بالرقيق
الأبيض، والتي وقعت عليها (16) دولة. يذكر، فإن هذه الاتفاقية جرَّمت فقط البغاء
القسري للفتيات البيضاوات، ومن هنا جاءت تسمية تجارة الرقيق الأبيض، مع ملاحظة أن
التجريم اقتصر على النقل إلى بلدٍ آخر وليس داخل إقليم الدولة.
وفي عام 1910م، تم توسيع نطاق الاتفاق الدولي لقمع الاتجار بالرقيق الأبيض، لتشمل
الاتجار بالنساء والفتيات داخل الحدود الوطنية، وتوسيع نطاق التجريم اشتمل جانبًا
غايةً في الأهمية ـ لا يزال محل جدل بين غير العالمين ببواطن أبجديات استغلال الغير
في أعمال جنسية، أو في العمل القسري، ارتكازًا على حاجة هذا الغير للمادة ـ ألا هو
الجانب الخاص بتوفر الرضاء لدى الضحية، حيث ألزمت هذه الاتفاقية الموقعين عليها
بمعاقبة بمعاقبة أيّ شخص (قام، إرضاءً لأهواء الغير، بتوظيف أو خطف، أو إغراء إمرأة
أو فتاة لأغراض غير أخلاقية، بالرغم من موافقتها، باستخدام العنف أو التهديد أو
الاحتيال أو الاكراه، من أيّ نوعٍ، حتى وإن كانت تلك الأفعال، التي تشكل جريمة قد
ارتكبت في بلدان أخرى).
ثم جاءت في عام 1921م، الاتفاقية الدولية لقمع الاتجار في النساء والأطفال، وشملت
هذه الاتفاقية مسألة الاتجار بالأطفال ضمن عمليات الاتجار بالبشر، وقد شجَّعت الدول
على تقديم مشاريع تشريعات وقوانين وطنية لتوظيف المهاجرين من ضحايا الاتجار بالبشر.
ثم اتفاقية عام 1933م، وهي الاتفاقية الدولية لقمع الاتجار بالراشدات، التي تم
التوقيع عليها في جنيف بتاريخ 11 /10 /1933م، وسَّعت أيضًا، هذه الاتفاقية، من نطاق
الأفعال المجرمة والموجبة للعقوبة، مثل تلك الأفعال المتعلقة بشراء، أو إغواء، أو
نقل إمرأة بالغة راشدة (لأغراض غير أخلاقية) إلى بلدٍ آخر، كما ركزت على مسألة
موافقة الضحية، وأنها لا شأن لها بمسؤولية الجاني، لبقاء عنصر الاستغلال قائمًا.
وفي عام 1949م، عمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لهيئة الأمم المتحدة على
تجميع أحكام الاتفاقيات السَّابقة في اتفاقية واحدة، عُرفت بالاتفاقية الدولية لحظر
الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير.
وركزت هذه الاتفاقية مُجدَّدًا على مسألة بقاء الجاني مسئولاً عن فعلته، رغم موافقة
الضحية؛ وأيضًا، اعتبار جريمة الاتجار بالبشر قائمة، وإن ثبت أن الضحية من البغايا.
وجاءت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1980م، لتلزم المادة
(6) منها الدول الموقعة عليها باتخاذ التدابير المناسبة، بما في ذلك سن القوانين
والتشريعات، لقمع جميع أشكال الاتجار بالنساء، واستغلال دعارة الغير، وكما حدث في
اتفاقية عام 1949م، فلقد جرَّمت الاتفاقية استغلال البغاء، ولم تجرم البغاء نفسه.
أخيرًا، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر من عام 2000م، بروتوكول
(منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال)، المكمِّل لاتفاقية
الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية. ويمثل هذا البروتوكول أحدث
الأدوات القانونية، بشأن الاتجار بالبشر، وأكثرها شمولاً، هذا البروتوكول له ثلاثة
أغراض أساسية، وهي: منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته؛ وحماية ضحايا الاتجار بالأشخاص
ومساعدتهم؛ وأخيرًا، تعزيز التعاون بين الدول الأطراف، بغية تحقيق أهدافه.
مع ملاحظة أن الجانب الخاص بالعمل القسري، المكون لجريمة الاتجار بالبشر، فالمرجع
يكون لاتفاقيتين من اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وهما: اتفاقية العمل القسري لعام
1930م، واتفاقية إلغاء العمل القسري لعام 1957م.
وسنتعرف في العدد القادم على التعريف الذي أورده المشرع الوطني، تنفيذًا للبروتوكول
الذي صادقت عليه السَّلطنة في عام 2005م، وبعض التطبيقات العملية عليه.
* المرجع: د.نهال فهمي ، الاتجار بالبشر في المنطقة العربية
مساعد المدعي العام/ ناصر بن عبدالله الريامي
المرسوم السلطاني وفقاً لآخر تعديل- مرسوم سلطاني رقم 92 لسنة 1999 بإنشاء الادعاء
العام وإصدار قانونه
مرسوم سلطاني رقم 126/2008 بإصدار قانون مكافحة الإتجار بالبشر
مرسوم سلطاني رقم 7 / 2018 بإصدار قانون الجزاء
مرسوم سلطاني رقم 37/2005 بالموافقة على انضمام سلطنة عمان إلى اتفاقية الأمم
المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها