جريدة الوطن - الأثنين 30
سبتمبر 2019م - 30 محرم 1441هـ
تعرّف على جرائم الاتجار بالبشر (الجزء الثاني)
(الوطن) بالتعاون مع الادعاء العام
وقفنا في الجزء الأول من هذا الموضوع على التعريف الاصطلاحي الدَّولي لجرائم
الاتجار بالبشر، وفي هذا الجزء سنتعرف على التعريف الذي أتى به المشرِّع العُماني،
في قانون مُكافحة الاتجار بالبشر، وبعض التطبيقات العملية عليه.
يُستفاد من المادة (2) من قانون مكافحة الاتجار الآتي: أن الشَّخصَ يُعدُّ مُقترفًا
لجريمة الاتجار بالبشر إذا ارتكب فِعلاً من الأفعال الأربعة التالية:(استخدم شخصًا،
أو نقله، أو آواه، أو استقبله) ولكن، هذه الأفعال بحد ذاتها هي أفعال مُباحة؛ ومن
الطبيعي، والحال كذلك، ألا تستقيم جريمة الاتجار بالبشر لمجرد اقتراف فعلٍ من هذه
الأفعال الأربعة.
وعليه، فلابد ـ لاستقامة الجريمة ـ أن تقترن هذه الأفعال، مُجتمعةً أو مُتفرِّقة،
بوسيلةٍ من الوسائل الثمان، التي أوردها المشرِّع، على سبيل المثال، لا الحصر،
وهي:(الإكراه، أو التهديد، أو الحيلة، أو باستغلال الوظيفة، أو النفوذ، أو باستغلال
حالة استضعاف، أو باستعمال سلطة ما على ذلك الشخص).
ويفهم أن هذه الوسائل أوردها المشرع على سبيل المثال، العبارة التالية: (أو بأيّة
وسيلةٍ أخرى، غير مشروعة، سواءً كانت مُباشرة، أو غير مباشرة).
مع مُلاحظة أن استخدام الأطفال (من هم دون الثمانية عشر عامًا)، أو نقلهم أو
إيواؤهم أو استقبالهم لغرض الاستغلال، تستقيم معه جريمة الاتجار بالبشر، حتى ولو لم
تستخدم أيٍّ من الوسائل المبينة فيما تقدم. وفي بيانٍ للمراد القانون من معنى
(الاستغلال) في هذا القانون، أورد المشرع تعريفًا لهذا المصطلح في المادة (1)،
موضحًا أن الاستغلال هو الاستخدام غير المشروع للشخص، ويشمل الدعارة، وأيِّ شكلٍ من
أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة، أو العمل قسرًا، أو الاسترقاق، أو الممارسات
الشبيهة بالرق، أو الاستعباد، أو النزع غير المشروع للأعضاء.
ومن تطبيقات هذا التعريف الآتي: أن يستقدم أحدهم امرأة، سواءً من خارج البلاد، أو
من داخل البلاد، ويوهمها أنه سيوفِّر لها عملاً شريفًا في مجالٍ مُعين؛ وإذا بها
تُفاجأ، عقب وصولها، بأن العمل الذي ستعمل فيه هو الدعارة وحسب؛ وعندما حاولت أن
تمتنع، قيل لها أن تسدِّدَ ما عليها من مبالغ الاستقدام، وما يرتبط بها من نفقات،
ليسمح لها بالعودة إلى موطنها.
فإذا أكَّدت التحقيقات أن مُحاولات المرأة للتمنُّع، باءَت بالفشل وأنها اضطُّرت
إلى مُمارسةِ الدَّعارة رغمًا عنها، أو استُغِلَّت في أيّ شكلٍ من أشكال الجنس أو
السّخرة، وغير ذلك من أشكال الاستغلال؛ نكون بصدد جريمة الاتجار بالبشر، وتكون
المرأة بذلك ضحية اتجار بالبشر.
ومن الخطأ، جُلِّ الخطأ، مُلاحقتها جزائيًا بتهمةِ ممارسة أعمال الدَّعارة، بحجة
أنها لم تكن مُقيدة، أو أن باب السَّكن لم يكن مُغلقًا عليها، وكان بإمكانِها،
الاستنجاد بالسُّلطات، ولم تفعل.
نُؤكِّدُ، في هذا المقام، أنها تعدّ ضحية اتجارٍ بالبشر، ولو أكَّدت التحريات أنها
امرأةٌ بغية؛ بل، ولو ثبت بالقطع واليقين، سبق إدانتها قضائيًا بتهمة الاعتياد على
مُمارسة الدعارة.
فالقانون، كما هو معروف، تشيرُ أبجديَّاتُه إلى أن الإنسانَ يُعامَل بتجرُّدٍ،
دونما الالتفاتِ إلى سِيرتِه السَّابقة. فالسَّاقطات، هن بشر في نهاية المطاف،
تتمتَّعن بالحمايةِ القانونيةِ نفسها التي تتمتَّع بها العفيفات، في خصوصيَّةِ
الواقعةِ محل النظر.
ما يهمنا الإشارة إليه، في هذا الصَّدد، هو أن المنظور المتقدِّم ذكره، والذي قد
يَراهُ البعضُ، خطأً، دفاعًا عن السَّاقطات، لم يكن من مُستحدثات بروتوكول (منع
وقمع ومكافحة الاتجار بالبشر، وبخاصة النساء والاطفال)، المعروف ببروتوكول
بـ(اليرمو) ولا القوانين المنفِّذة له وإنما ـ وحسب الإشارة في الجزء الأول ـ ورد
في جملة من الصكوك الدولية التي سبقت الصك الماثل بل وورد فيها صراحةً الجزئية
المتعلقة بعد الاعتداد بالرضا.
ويشير النقيب عبدالكريم محمد إلى أن لفظ (استعمال السُّلطة) ـ الذي يُعد من الوسائل
المكونة لجريمة الاتجار بالبشر، وفق الإشارةِ المتقدِّمة ـ ورد بصيغته المطلقة
فيستوي أن تكون هذه السُّلطة قانونية، أو فعلية واقعية. ومن أمثلة السُّلطة
القانونية، سلطة الولي أو الوصيّ، أو سلطة رب العمل على مستخدميه، ومن أمثلة
السُّلطة الفعلية، سلطة الطبيب على مرضاه، وسلطة المعلم على تلاميذه.
فتتحقق جريمة الاتجار بالبشر، عندما يقوم أحد الوالدين ببيع كلية أحد الأبناء أو
قيام الأب بتزويج ابنته القاصر، لشخصٍ طاعنٍ في السن ـ أو بعيد كل البعد عن شرط
الكفاءة ـ طمعًا في ثرائه أو لحصوله على مقابل مادي أو طمعًا في مصالح مُستقبلية.
وتستقيم الجريمة أيضًا حال استغلال الزوج زوجته؛ كأن يدفعها لمقابلةِ أحدٍ من
مُدرائه النافذين، في أماكنٍ خاصة، طمعًا في الترقية، أو لنيل امتيازاتٍ مُحدَّدة،
ومن بابٍ أولى، حال تشغيلها في أعمال الدعارة، مستغلاً في ذلك ما له عليها من سلطةٍ
فعلية.
هناك بعض الحالات، يحدث فيها تداخل بين ما إذا كانت الواقعة، محل النَّظر، تشكّل
اتجارًا بالبشر أم تشكل جرمًا وفقًا للقوانين التقليدية الأخرى.
مثال: امرأة، تخرج مع عشيقٍ لها، فيلتقط لها خلسةً صورًا في أوضاعٍ فاضحة ضمانًا
لاستمرارية العلاقة الآثمة بينهما، حدث ما تحسَّبَ له العشيق، وتعلن المرأة تراجعها
عن موقفها، وتوقفها عن علاقتها الآثمة والمشينة معه إلا أنه يهدِّدها بالصور، فترضخ
له تحت وطأة الخوف من افتضاح أمرها، فيمارس معها الجنس رغمًا عنها.
في هذه الحالة، نكون أمام جناية مواقعة أنثى بغير رضاها، المجرمة بمقتضى المادة
(257) من قانون الجزاء، والمعروفة في بعض التشريعات العربية بجناية الاغتصاب
الحُكمي، ولا يقدح من ذلك القول أن الفعل بدأ بموافقةٍ صريحة منها، ذلك لأن
الموافقة يجب أن ترافق جميع مراحل الفعل، للاعتداد بها.
ومع ذلك، فالواقعة قد تدخل في فلك الاتجار بالبشر، حال ما إذا أكَّدت التحقيقات أن
المتهم تحول إلى استغلال المجني عليها لاشباع غريزة زملائه الجنسية وليس لإشباع
غريزته هو فحسب.
مثال آخر: أحد المديرين يستغل حاجة إحدى الموظفات العاملات تحت إدارته، فيطلب منها
إقامة علاقة خاصة بينهما، ويقول لها صراحة: الجنس مقابل الترقية.
تؤكد التحقيقات أنها رضخت له لوضعها الاقتصادي المتردي، ولحاجتها الماسة لأي إضافة
في الدخل.
قد يرى البعض أن هذه الواقعة، وكذا الواقعة السَّابقة، يمكن عدّهما من قبيل جرائم
الاتجار بالبشر، على اعتبار أن أبجديَّات الفعل المقترف تعد من قبيل الاستغلال
الجنسي، وهو ما يتوافق وتعريف مصطلح
(الاستغلال) الوارد في المادة (1) من قانون مكافحة الاتجار بالبشر إلا أننا نرى أن
هكذا تفسير ينطوي على توسُّعٍ في تفسير النَّص؛ في حين أن الاستغلال الجنسي في
الحالتين الماثلتين يشكل جناية مواقعة أنثى بغير رضاها، وهي جناية ذات عقوبةٍ
مُغلَّظة.
ولاشك أن الأمر يختلف في هذه الواقعة الأخيرة، حال ما إذا أرسل المدير تلك الموظفة
التي تعمل تحت إدارته، لإشباع وطر غيره الجنسية، هذه الحالة الأخيرة قد تتحقق وفق
التصوير التالي: أن يعرض شخصٌ من الناس ميزة معينة للمدير، مادية كانت أو معنوية،
لنيل رضائه، فيرسل له الموظفة التي تعمل تحت إدارته للعبث بها، في هذه الحالة،
يلاحق الشخص وكذا المدير بتهمة الاتجار بالبشر، وفق النص الصريح الوارد في
البروتوكول، والذي يقرأ على النحو التالي:(إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل
موافقة شخص له سيطرة على شخصٍ آخر، لغرضِ الاستغلال)، فالغير هنا يرشي المدير، لنيل
رضائه، فيمكنه من النيل ممَّن له سلطة عليه.
نكون أمام جريمة اتجار بالبشر أيضًا، كل من يزج بالأطفال أو النساء في المظاهرات،
ويجعلهم في المقدمة كدروعٍ بشرية أو يستخدم الأطفال للقيام بأعمال إجرامية أو في
المنازعات المسلحة أو يستغل الأطفال أو النساء في أعمال التسوّل، وكذا الحال
بالنسبة لاستغلال السجناء في القيام ببعض التجارب الطبية.
فالاستغلال في هذه الحالات حدث لحصول المتهم على مغنمٍ سياسيٍّ، أو اقتصادي، أو
اجتماعيّ، أو نفسيّ.
النظام الأساسي وفقًا لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم (101/96) بإصدار النظام
الأساسي للدولة
مرسوم سلطاني رقم 126/2008 بإصدار قانون مكافحة الإتجار بالبشر
المرسوم وفقاً لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم 97/99 بإصدار قانون الإجراءات
الجزائية
المرسوم وفقاً لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم 48 لسنة 1998 بإصدار قانون السجون
مرسوم سلطاني رقم 7 / 2018 بإصدار قانون الجزاء