جريدة الوطن الأثنين7 أكتوبر
2019 م - 8 صفر ١٤٤١ هـ
«الوطن» بالتعاون مع الادعاء العام: تعرّف على جرائم الاتجار بالبشر (الجزء الثالث)
ختمنا الجزء الثاني من هذا الموضوع،
الذي نشرناه في عدد (الإثنين) الفائت، ببعض الأمثلة التطبيقية، أوضحنا خلالها
المركز القانوني للمرأة التي يستغلها مديرها جنسيًا، لحاجتها إلى الترقية في العمل،
تلبيةً لاحتياجاتها الأساسية، واحتياجات أسرتها المعيشية الملحّة، وكذلك حال
استغلالها لاشباع غرائز معارفه، وأوضحنا أن الحالة الأولى تعد من قبيل مواقعة أنثى
بدون رضاها، أما الثانية وإن كانت أيضًا تشكل الجريمة ذاتها، بالنسبة لمن واقعها
جنسيًا، بشرط علمه بانعدام الرضا تنطبق عليها، في الوقت عينه، جريمة الاستغلال
الجنسي، المكوّنة لجريمة الاتجار بالبشر، بالنسبة للمدير وإذا أكَّدت التحقيقات
عِلم الثاني بالوضع الهش للضحية، وأنها مُستغلةً من قبل مديرها، لإشباع وطره
الجنسي، يكون هو أيضًا متهمًا بالاتجار بالبشر.
وفي حال بادر الأخير بتقديم ميزة معينة للمدير، مادية كانت أو معنوية، ليرسل له
الموظفة التي تعمل تحت إدارته ليعبث بها، فنكون ـ قولاً واحدًا ـ أمام قضية اتجار
بالبشر واضحة المعالم.
وأوضحنا كذلك بأن المرأة التي اعتادت الخروج مع عشيقٍ لها، وتسلّمه نفسها طواعيةً
للمُعاشرةِ الجنسيَّة ثم تتراجع عن موقفها، لميلها إلى قطعِ العلاقة بينهما
بالكُلية، فيهددها بالمصُّور التي كان قد التقطها لها في أوضاعٍ فاضحة، خِلسةً،
تكون المرأة ضحية مواقعة جنسية بدون رضاها، إذا ما اضطرَّت إلى الاستمرار معه،
درءًا للفضيحةِ مثلاً، كما وتكون ضحية اتجار بالبشر، إذا ما استغلها العشيق لإشباع
حاجة غيره. وأن الضحية تعدُّ كذلك، ولو ثبت بالقطعِ واليقين أنها إمرأة بغية، بل
ولو ثبت سبق إدانتها قضائيًا بتهمة الاعتياد على مُمارسة الدعارة.
لذلك، ينظر بعض العامة إلى بروتوكول باليرمو ـ بروتوكول منع الاتجار بالبشر ـ بنظرة
المؤامرة، حيث يرون ـ خلافًا للحقيقة ـ أنه وضِع لإفساد الأخلاق، والدعوة إلى حماية
العاهرات، بدليل أنه لم يدعو إلى تجريم البغاء، وعكس ذلك فعل بالنسبة لاستغلال بغاء
الغير.
ولاشك أن هذه النظرة قاصرة، وفي غيرِ محلِّها إذ أن البغاء، بحدِّ ذاته، هو فعلٌ
مُجرَّمٌ في الغالبية العُظمى من التشريعات العقابية، التي تصدَّت أيضًا لكلِّ من
يعتمد في معيشتِه أو بعضها على ما يكسبه الغير من مُمارسةِ الدعارة، وهو ما يعني
تجريم إدارة محل لممارسةِ البغاء، ومع ذلك فإن هذه التشريعات لم تتصدَّ لمن يستغل
بغاء الغير.
وعليه، فإن القانون المنفِّذ لبروتوكول باليرمو، قانون مكافحة الاتجار بالبشر، جاء
لسدِّ ثغرةٍ تشريعيةٍ في هذا الخصوص.
* مثال آخر: تمارا، فتاة عربية، تعرّفت على شاب (أ)، تطوَّرت المعرفة بينهما إلى
علاقةٍ غرامية ثم جنسية، ونظرًا لحاجتها للمال، وعدها بأنه سيُدَبِّر لها عملاً في
إحدى الشركات الخاصة. تقول تمارا:(وعدني (أ) بتأمين فرصة عمل، لكنه اشترط أن نسهر
سويًا في إحدى الملاهي الليلية، ليعرّفني على أشخاصٍ نافذين، وقال لي أن تناول
الكحول يُعدّ من لزوميَّات الجلسة مع هؤلاء الأشخاص، إكرامًا لهم)، فكانت النتيجة
أن شربت تمارا حتى الثمالة، ووجدت نفسها في صباح اليوم التالي في السرير بجانب
أحدهم، دون أن تشعر كيف وصلت إلى ذلك المكان، غضبت تمارا كثيرًا من صديقها (أ)،
وشرعت في إبلاغ الشرطة إلا أنه نصحها بألا تفعل ذلك، بعد أن أوهمها بأن الرجل الذي
كانت في أحضانه هو من كبار المسؤولين في البلد، وأنه سينتقم منها حتمًا إن فعلت
ذلك، وهكذا بدأت تمارا ترضخ لأوامر (أ) الذي كان يبيع جسدها مقابل المال، وانتهى
المطاف بتمارا إلى الهروب إلى المركز المخصص لضحايا الاتجار بعد أن علمت عنه.
وهنا تكمن أهمية الإعلان عن وجود مركز مخصص لإيواء ضحايا الاتجار بالبشر. (من
القضايا التي نقلها لنا مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة).
نشيرُ في هذا الصَّدد إلى أن قانون مكافحة الاتجار بالبشر، لا يُعنى بهذا الجانب
فحسب، وإنما بجوانبٍ كثيرة، تندرج تحت باب (استغلال الغير)، التي من بينها، وفق ما
جاء في المادة (1) من القانون: السُّخرة، والعمل قسرًا، والاسترقاق، والممارسات
الشبيهة بالرِّق، والاستعباد والنَّزع غير المشروع للأعضاء، ولم يُعَرِّف المشرع
العُمَاني هذه المصطلحات، كما هو الحال في الغالبية العُظمى من القوانين المقارنة؛
ومع ذلك، يمكن تعريف السُّخرة بأنها:(التكليف بعملٍ بلا أجر قهرًا)، وهناك من
يعرفها بأنها:(جميع الأعمال أو الخدمات التي تُفرَض قسرًا على أيّ شخص، تحت
التهديد، والتي لا يكون قد تطوَّع لأدائها بمحضِ اختياره) أما العمل قسرًا، فهو:
أيّ عمل أو خدمة تنتزع من الشخص رغمًا عنه، من خلال استخدام القوة أو التهديد
باستخدامها، أو أيٍّ من وسائل الإكراه الأخرى، سواء تم ذلك بأجر أو بغير أجر؛ أما
الممارسات الشبيهة بالرّق: فهي مجموعة لا حصر لها من الأعمال، نذكر من ذلك: إيسار
الدين، ويراد به إجبار المدين العاجز على سداد دينه، للقيام بأعمال غير مشروعة
سدادًا للدين، وكذلك تزويج إمرأة دون أن يكون لها حق الرَّفض ويدخل معها تزويج
القاصرات، مقابل الحصول على منفعة وعادة تزويج الأرملة إلى أخ زوجها المتوفى، ولا
بأس من ذلك إن كانت الأرملة راضية فالمحظور جلُّه يكمن في تزويجها، دون أن يكون لها
حق الرفض، ومن ذلك أيضًا، عادة التبادل بين الأخوات أو البنات، كأن يقول الرجل
لصديقٍ له: انكحني أختك أو ابنتك لأنكحك أختي أو ابنتي، في المقابل.
وهذه العادة الأخيرة منتشرة كثيرًا في دولة آسيوية صديقة، ويطلقون عليها، بلغتهم
مصطلح (Watta satta)، أي:(خذ وأعطي)، فعلاً هذه هي العبودية بعينها. ومن هذا
المنطلق تُعرف جرائم الاتجار بالبشر بجرائم العبوديةِ المعاصرة.
ومن أمثلة الممارسات الشَّبيهة بالرّق أيضًا، حال فرض ساعات عمل تفوق المحدد
قانونًا، دون دفعِ أجرٍ إضافيِّ؛ مُستغلاً في ذلك حاجة العامل للعمل، وتمسّكه به.
أما “ثالثة الأثافي”، كما يقالُ لُغةً، فتكمن في حظر التنقل من عملٍ إلى آخر.
مُنوّهِينَ بأن الغطاء التشريعي لا يجعل الحظر بمنآى عن شبهة الممارسة الشبيهة
بالرّق؛ لما يوجده من أرضيةٍ خصبة لاستغلال العامل في حالتي البقاء في العمل، رغمًا
عنه، من ناحية؛ أو في مسعاه للحصول على شهادة عدم الممانعة من رب العمل، من ناحيةٍ
أخرى. نشيرُ هنا إلى أن كثيرًا من دول المنطقة عدَّلت من نظام الكفالة، آخذة في ذلك
بالمستجدات الدولية في هذا السياق؛ فعدا عن كون العامل الذي يغادر البلاد، يحق له
الدخول مُجددًا للعمل لدى كفيلٍ آخر، دونما الحاجة إلى الحصول على شهادة عدم ممانعة
من الكفيل السَّابق؛ اعتمدت العديد من المرتكزات التي إذا تحققت، تسوِّغ للعامل طلب
نقل كفالته إلى كفيلٍ آخر، رغم سريان فترة العقد؛ ومن هذه المرتكزات، التالي
بيانها: ثبوت تأخر صاحب العمل في دفع أجور العامل لثلاثة أشهر، مُتتالية أو
مُتفرقة، دون سبب راجع للعامل؛ أو تكليف العامل بالعمل لدى آخرين، من غير الأقارب،
حتى الدرجة الثانية؛ أو عدم حضور صاحب العمل، أو من يمثله أمام الجهة المختصة بنظر
الشكاوى العمالية لجلستين؛ أو تقدم صاحب العمل ببلاغ كيدي ضد العامل أو العاملة.
النظام
الأساسي وفقًا لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم (101/96) بإصدار النظام الأساسي للدولة
مرسوم سلطاني رقم 126/2008 بإصدار قانون مكافحة الإتجار بالبشر
قرار وزارة الصحة رقم 179 / 2018 بإصدار اللائحة التنظيمية لنقل وزراعة الأعضاء
والأنسجة البشرية