جريدة الوطن-
الاثنين 4 نوفمبر 2019م - 7 ربيع الأول 1441هـ
تعرّف على جرائم الاتجار بالبشر (الجزء السابع)
الادعاء العام
استعرضنا في الجزء الفائت من هذا الموضوع الحيوي، اجتهادًا فقهيًا لتعريف الاتجار
بالبشر، بعد أن كنا قد تناولنا، قبل ذلك، بالشرح والبيان، التعريف الذى أرسى قواعده
بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر، وبخاصة النساء والأطفال، ثم التعريف
الذي أتى به المشرِّع الوطني، تحقيقًا للحدودِ الدُنيا من الحماية التي ابتغاها
المشرع الدولي للبشر، للحيلولة دون وقوعهم في شباك الاستغلال.
ولما كان البيان دائمًا يُفهم بالمثال، كما ورد في الأثر، آثرنا استعراض بعض
القضايا الواقعية النابعة من المجتمع العُماني، تقريبًا للمفهوم إلى أذهان الفئة
التي نستهدفها من هذه المقالات، وهي فئة جمهور العامة، دون الخاصة، من المجتمع،
أخذًا بيدِها، ودعمًا وتعزيزًا لثقافتِها القانونية.
وبسبب رُدود الفعل الإيجابية، التي تلقيناها من استعراض مُلخصات تلك القضايا، من
داخل السلطنة ومن خارجها آثرنا مواصلة استعراض نماذج أخرى من القضايا التي تعاملنا
معها في هذا السياق، تحقيقًا للغرض نفسه ـ آنف البيان.
ـ القضية رقم (5):
تتحصل واقعات هذه القضية في قيام المتهمة ـ المنتمية بجنسيّتها إلى إحدى دول الشرق
الأقصى ـ بتجنيدِ فتياتٍ، من الجنسيةِ نفسِها، عن طريق زميلة لها في بلدها، لأجل
العمل في السَّلطنة في نادٍ صحيّ، وتحديدًا، في مجالِ التدليك الطبيّ (المساج)،
وبهذه الحيلة، تمكَّنت المتهمة، عن طريق زميلتِها في الخارج، من تجنيدِ أربع
فتياتٍ، وإحضارهنَّ إلى السَّلطنةِ للغايةِ المذكورة.
تفاجأت المجني عليهن، فور وصولهن البلد أن العمل الموعود لهن، ما هو سوى العمل في
الدعارة.
وأبدت المجني عليهن رفضًا شديدًا للعمل، وطلبن إرجاعهن إلى موطنهن إلا أن ذلك لم
يتسنّ لهن، نظرًا لكون المتهمة كانت قد اتخذت تدبيرًا وقائيًا لمجابهةِ مثل هذا
الرّفض المحتمل، ولإكراههن، بالتالي، على الرضوخ لأوامرها، وذلك بأن دفعتهن إلى
التوقيع على أوراقٍ تفيد أن على كل منهن دين كبير لمصلحة المتهمة. تمخض تفاوض
المتهمة معهن بأن قالت لهن بأنها ستقبل من كلٍ منهن أن تسدّد لها ألف وخمسمائة ريال
عماني فقط، والذي ستحققانه في زمنٍ قياسيٍّ في سوق الدعارة؛ وعقب ذلك، ستبقى حرة،
أما أن تستمر في مجال الدعارة الحرة، أو أن تعود إلى موطنها.
ترتيبًا على ما تقدّم، وبالبناء عليه، لم يكن أمام المجني عليهن من سبيلٍ إلا
الخضوع للمتهمة، والعمل، تحت إشرافها المباشر، على بيع أجسادهن لراغبي المتعة
الجنسية المحرمة وذلك سدادًا للدين للمتهمة.
وبهذا، تكون المتهمة قد اتجرت بأجساد المجني عليهن عن طريق ما يُعرف بـ(إيسار
الدين)، وهو الوضع الناشئ عن ارتهان المدين بتقديم خدماته الشخصية أو خدمات شخص
تابع له، ضمانًا لسداد دينٍ عليه.
قد يرى البعض أن قبول المجني عليهن يُعدُّ فعلاً مُجرمًا، وينبغي، والحال كذلك،
اعتبارهن مُتّهمات بممارسة الدعارة، إلا أن هذا لا يتفق والغرض الذي من أجله شُرّع
قانون مكافحة الاتجار بالبشر، والمتمثل في حماية البشر من الاستغلال.
فما دامت المعطيات المتوفرة والأكيدة تشير إلى أن الإرادة لم تكن حُرة في الاختيار
منذ البداية (معيبة)، وإنما ناتجة عن (حالة الاستضعاف) التي سيطرت على قراراتهن فلا
ينبغي، والحال كذلك، ملاحقتهن ولا مساءلتهن جزائيًا.
وبتاريخ 4 يناير 2018م، قرّر الادِّعاء العام، المختصّ بقضايا الاتجار بالبشر،
إحالة المتهمة إلى محكمة الجنايات المختصة، لأنها وبتاريخ سابق على 8 نوفمبر 2017م،
(اتَّجرت بالمجني عليهن، عبر الحدود الوطنية، بغرض الاستغلال الجنسي، وذلك بأن أجرت
الترتيبات اللازمة لتجنيدهن في موطنهن، بعد إيهامهن بأنهن سيعملن في مجال التدليك
الطبي، فآوتهن في شقةٍ، عقب وصولهن السَّلطنة، ثم دفعتهن إلى مُمارسة الدعارة،
مُستغلة بذلك قلّة حيلتهن، واستضعافهن الناتج عن إيسار الدين، وفق الثابت والمدلل
عليه تفصيلاً في التحقيقات).
هذا، ولقد أرفق مع قرار الإحالة قائمة بأدلة الثبوت، أوردنا فيها مجموعة من أدلة
الاتهام، من بينها، ما ثبت من ضبط سجلٍ بحوزة المتهمة، مدونًا فيه أسماء المجني
عليهن، والمبالغ التي سددتها كل منهن، بشكلٍ يومي، وما تبقى عليهن من إجمالي الدين
الذي فرضته عليهن، كما أكد خبير الأدلة الرقمية، أن بفحصه لهاتف المتهمة تأكّدَ له
قيامها بدور ترويج الفتيات لأعمال الدعارة، وتوسطها مع الزبائن، والتفاوض معهم على
السعر، وكذا الخدمة الجنسية المطلوبة.
كما أقرَّت المتهمة صراحةً بأنها أحضرتهن أساسًا لأجل الاتجار بأجسادهن في مجال
الدعارة، مُستغلة بذلك وضعهن الاقتصادي الهش، وحاجتهن للوظيفة وأنها طلبت من
زميلتها في الخارج، التي تولت عملية تجنيدهن، أن توهمهن أنهن سيعملن في مجال
التدليك الطبي، خلافًا للحقيقة وأنها فرضت عليهن مبلغ الدين (ألف خمسمائة ريال
عماني)، بعد أن رفضن العمل في الدعارة وطالبنها بإعادتهن إلى موطنهن.
تداولت المحكمة القضية لعدة جلسات، استمعت خلالها إلى جميع الأطراف، بما في ذلك،
فريق التحري والضبط، كما حضر مع المتهمة محامٍ يؤازرها في مواجهة الاتهام الذي
أنكرته في الجلسة، وقالت أنها كانت في وضعٍ نفسيٍّ صعب أمام التحقيقات الابتدائية،
وأنها لم تكن مدركة لخطورة الأمر، وللاعترافات التي صرَّحت بها، وبعد أن تأكَّدت
المحكمة من سلامة الاجراءات المتخذة في مواجهة المتهمة، وتمكينها من ضمانات التحقيق
التي قرَّرها المشرع في قانون الإجراءات الجزائية، لمصلحة المتهم، ومن ذلك،
الاستعانة بمترجم.
وبعد أن وقَرَ في يقينِ المحكمة، دون أدنى شك، أن المتهمة شغَّلت المجني عليهن في
أعمال الدعارة، لمصلحتها الخالصة، مُستغلةً بذلك استضعافهن، ووقوعهن في أسر الدين
قرّرت المحكمة، في الجلسة المنعقدة بتاريخ 28 مارس 2018م، إدانة المتهمة بجناية
الاتجار بالبشر، بالمخالفة للمادة (8) من القانون، وقضت بسجنها لمدة ثلاث سنوات،
والغرامة خمسة آلاف ريال عماني، وبطردها من البلاد بعد إنقضاء العقوبة، وألزمتها
بالمصاريف، ومصادرة الأموال والأشياء المضبوطة لديها.
النظام الأساسي وفقًا لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم
(101/96) بإصدار النظام الأساسي للدولة
مرسوم سلطاني رقم 126/2008 بإصدار قانون مكافحة الإتجار بالبشر
مرسوم سلطاني رقم 97 لسنة 1999 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية
مرسوم سلطاني رقم 7 / 2018 بإصدار قانون الجزاء
مرسوم سلطاني رقم 22/2014 بإصدار قانون الطفل
قرار وزارة الصحة رقم 179 / 2018 بإصدار اللائحة التنظيمية لنقل وزراعة الأعضاء
والأنسجة البشرية