جريدة الوطن-
الأثنين 18 نوفمبر 2019م - 21ربيع الأول 1441هـ
تعرف
على جرائم الاتجار بالبشر (الجزء التاسع)
(الوطن) بالتعاون مع الادعاء العام
جميلٌ أن يستمرَ الوصلُ بيننا، في هذه الزاوية التوعوية الأسبوعية، بفضل المولى
عزَّوجل، للشهر الثالث عشر، دونما انقطاع، والأجمل والأنفع من ذلك، في تقديرنا، أن
نُشبِّع المواضيع المُلحّة بحثًا ودراسةً، بعد النظر إليها وتقليبها من مختلف
الزوايا والأوجه، وإن امتدَّ الأمر لأجزاءٍ مُتعدِّدة، فنجيبُ من خلالها، على
التساؤلاتِ المحتمَلة، تحقيقًا للهدفِ المنشود، وهو تبصير العامة وتوعيتها
بالمسألةِ، محل العرض والبيان.
وها هو وصلنا يتجدَّد في هذا الموضوع الحيوي الشائِك، للأسبوع التاسِع على التوالي،
بعد أن تناولنا في الأجزاءِ الثمانيةِ المنصرمة توليفةً من الصُّور المندرجة تحت
جرائم الاتجار بالبشر، لنُخصِّص في الجزء الماثلِ صورةً مُؤلمةً من تلك الصُّور،
ألا وهي (الزواج القسري)، والتي تُعد وبحق، عملاً من الأعمال الشبيهة بالرق
والعبودية، التي قصدها المشرع الدولي، والوطني، في آنٍ معًا.
ونشير مُجدَّدًا إلى أننا سنعرض هذه الصورة من واقعِ البيئةِ المحلية أيضًا، وفق
الحيثيات المستخلصة من القضيةِ أدناه:
* القضية رقم (7):
في منتصف عام 2017م، تقدَّمت (ف. ع) بدعواها أمام المحكمة الابتدائية، في إحدى
الولايات، مُطالبةً المدَّعىَ عليه بأن يرد لها مبلغًا وقدره (ألفان وسبعون ريالاً
عُمانيًا)، لتخلُّفه عن أداء الخدمة التي كانت قد اتفقت معه على تقديمها لها،
التحقيقات التي أجرتها المحكمة، للوقوف على طبيعة المطالبة التي بين الطرفين، كشفت
النقاب عن حقائقٍ، وجدت المحكمة بأنها ترشِّح في ظاهرِها لقيام جناية الاتجار
بالبشر، كون تزويج المجني عليها رغمًا عن إرادتها تشكل من الممارسات الشبيهة
بالرّق، التي أوردها المشرع في المادة (1) من قانون مكافحة الاتجار بالبشر،
وبالتبعية، تُعد من أشكال الاستخدام غير المشروع للشخص، وهو الأمر الذي دفع المحكمة
إلى القضاء بعدم الاختصاص، والإحالة إلى الادِّعاء العام المختص مكانيًا، لمباشرة
المقتضى القانوني.
التحقيقات التي أجراها الادِّعاء العام، كشفت عن صحة ما انتهت إليه الدَّائرة
المدنية من وجودِ شبهة اتجار بالبشر، بعد أن أكَّدت بأن مُقابل المبلغ، محل
المطالبة، هو إحضار زوجة من الخارج لشخصٍ مُعاق، بناءً على طلب شقيقة الأخير،
فأُحضرت بالحيلة امرأة فقيرة بتأشيرة عمل، عن طريق وسطاء، بعد أن أُوهِمت بأنها
ستعمل في الخدمة المنزلية، خلافًا للحقيقة، فإذا بها تُفاجأ بأنها ستُزوَّج من شخصٍ
مُعاق، وأن محاولات التمنُّع باءت بالفشل، حيث أُحضر العاقد إلى البيت، وتم العقد
عليها عُنوةً، بعد أن هُدِّدت بالقتل إلا أنها امتنعت عن الانتقال مع الزوج المعاق،
واحتمت في منزل شقيقة المعاق؛ وهو الأمر الذي دفع بالأخيرة إلى مُطالبة الوسيط
بإرجاع المبلغ الذي دفعته له، دون أن تحصل مطلبها، والمتمثل في زوجة لشقيقها.
فالواقعة تتلخص في أن المدعية بالحق المدني (ف.ع) ـ والتي يُشار إليها بالشاهدة، في
الدعوة الجزائية الماثلة ـ عكفت في غضونِ عام 2017م، على البحث عن عَروسٍ لشقيقِها
المعاق عقليًا، دونما جدوى وهو الأمر الذي دفعها إلى أن تسند الأمر جُلّهُ إلى
سمسارٍ، يتولى إجراءات إحضار زوجة أجنبية لشقيقِها من الخارج، بما في ذلك استخراج
التصريح اللازمة لذلك.
وفي ذاتَ يومٍ، التقت في الطريق بالمتهم الرابع (س. ن) الذي بادرها بالسؤال عمَّا
إذا كانت قد وجدت من يحضر لها زوجةً لشقيقِها، فأجابته بالنفي، فقال لها أنه سيحضر
لها من يتكفَّل بالأمر.
وبعد بضعةِ أيام، زار المتهم الرابع الشاهدة في منزلها، وبرفقته المتهم الثاني (خ.
س)، وأن الأخير أبدى للشاهدة استعداده على تحقيق مطلبها، وأوضح أن ذلك سيكون من
جنوب شرق آسيا، مقابل مبلغٍ وقدره (ألفان وسبعون ريال عُماني)، شامل إنهاء إجراءات
الحصول على التصريح، واستلم منها مبلغًا مُقدّمًا قدره (أربعمائة ريال عماني).
المتهم الثاني بدوره كَلَّف عاملة منزله (المتهمة الأولى) بأن تبحث له عن عاملة من
بلدها (جنوب شرق آسيا)، لأجل تزويجها من شقيقِ الشاهدة، ففعلت ذلك بالتنسيق مع
زوجها الموجود في بلدها، وبعد شهر تقريبًا، وصلت المجني عليها، فتقدَّم المتهم
الرابع إلى الشاهدة، وطلب منها جزءًا من المبلغ المتبقي، لاتمام بعض الإجراءات،
فسلمته المال، وفي اليوم المُحدَّد لإتمام عقد الزواج، تولىّ هو إحضار العاقد
(المتهم الثالث)، الذي بدوره أراد الوقوف على موافقة ولي الأمر، فقدم له المتهم
الثاني ورقةً، نسب صدورها إلى والد المجني عليها، تُفيد عدم ممانعته من إتمام عقد
الزواج.
ترتيبًا على ما تقدَّم، وبالبناء عليه، قرَّر الادّعاء العام، بعد الانتهاء من
التحقيقات، إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات المختصة مكانيًا، لأنهم، وبتاريخٍ
سابقٍ على 7 /11 /2017م، بدائرة مركز شرطة (…)، أقدم المتهمان الأولى والثاني على
الاتجار بالمجني عليها (س. ي)، وذلك بأن استقدامها من موطنها بالحيلة، وذلك بأن
أوهماها بأنها تستقدم لأجل العمل في الخدمةِ المنزلية، ثم أجبراها، عقب وصولها،
وتحت وطأة التهديد بالضرب، على الرُّضوخ لإجراءات إتمام مراسم عقد الزواج، من شخصٍ
يُعاني من إعاقةٍ عقليةٍ شديدة.
أما المتهم الثالث، فلقد تقرَّر إحالته إلى المحكمة ذاتها، بتهمة إجراء عقد زواج
بين المجني عليها وشقيق الشاهدة، دون أن تكون لديه الصلاحية القانونية لذلك.
أما المتهم الرابع، فتقرَّر اتهامه بمخالفته للمادة (11) من قانون مكافحة الاتجار
بالبشر، لعلمه بأن المجني عليها واقعة تحت طائلة الاتجار بها، ولم يُبادر بإبلاغ
السُّلطات، وبالتدخل الفرعي في إجراء عقد الزواج بالمخالفة لأحكام القانون.
وفي المحكمة، تمسكت المجني عليها بأنها قدمت إلى السلطنة لأجل العمل في الخدمة
المنزلية، ولا تعلم شيئًا عن مسألة الزواج، كما أنكرت معرفتها بالورقة التي قدمها
المتهم الثاني، والتي نسب صدورها إلى والدها، والتي تفيد عدم ممانعته من تزويجها،
وبتفويض المتهم الثاني بتزويجها إلى من يراه مُناسبًا.
وفي تأكيدٍ لموقفها، أفادت أنه من المحال أن تكون تلك الورقة صادرة عن والدها، كونه
مُتوفىً منذُ أمدٍ بعيد.
هذا، ولقد أكَّدت الشاهدة (شقيقة من تزوج بالمجني عليه)، أنها لاحظت أن المجني
عليها كانت في خوفٍ ووجلٍ شديدين أثناء الإعراب للعاقد عن موافقتها على الزوج؛
وأكّدت المجني عليها، تعقيبًا على هذه النقطة في المحكمة، أن المتهمة الأولى كانت
قد هدَّدتها بالقتل، إذا ما رفضت الزوج.
ومع ذلك، انتهت المحكمة إلى أن القضية تشوبها التناقضات، وأن أقوال المجني عليها
اتسمت بالمراوغة؛ كما أنها لم تأتِ بأي بينةٍ تقطع بالدليل الجازم بأن المتهمة
الأولى (الهاربة) هدَّدتها بالقتل، أو أكرهتها، وخلصت المحكمة إلى وجود مجموعة من
القرائن التي تشير إلى أن المجني عليها كانت على علمٍ تام بأنها جاءت إلى عُمان
لأجل الزواج، وليس لأجل العمل.
وحيث أن العبرة في المحاكمات الجزائية، إنما هي باقتناع قاضي الموضوع، بناءً على
أدلة مطروحة عليها، وأن تكون تلك الأدلة قاطعة باقتراف الجرم، بما يمكن وصفه بـ(فوق
مرحلة الشَّك المعقول)، وليس برُجحان البينات، كما رأت المحكمة فيما قدَّمه الادعاء
العام.
وعليه، قضت المحكمة بتاريخ 5 /3 /2018م، بإعلان براءة المتهمين فيما نسب إليهم من
اتهام.
لم يرتضِ الادِّعاء العام بما انتهت إليه المحكمة؛ فقرَّر الطعن في الحكم أمام
المحكمة العليا، التي قضت بتاريخ 9 /10 /2018م، بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع
برفضه.
ينُنوِّه الادِّعاء العام أخيرًا، بأن حيثيَّات الواقعة، وعلى فرض أن المحكمة
اقتنعت بها اقتناعًا تامًا، تشكِّل من دون شك، اتجارًا بالبشر، كون الزواج القسري
يُعد من قبيل الأعمال الشبيهة بالرق، التي أوردها المشرع في البروتوكول، وكذا في
القانون الوطني؛ وهذا ما هو مُستفادٌ في حيثيات الحكم. أما مسألة البراءة أو
الإدانة، فهي من إطلاقات المحكمة، التي لا نملك إلا أن نحترم ما انتهت إليه من رأي
كونها تُقعده وتُأسّسه دومًا على الأدلة الدَّامغة، التي توصلها إلى القناعةِ
المطلوبة، التي تُلامسُ وجدانها، وتقطع بالدليل الجازم على خروج المتهم عن الأصل
المفترض فيه، وهو البراءة.
الالنظام
الأساسي وفقًا لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم (101/96) بإصدار النظام الأساسي للدولة
مرسوم سلطاني رقم 126/2008 بإصدار قانون مكافحة الإتجار بالبشر
مرسوم
سلطاني رقم 22/2014 بإصدار قانون الطفل
مرسوم
سلطاني رقم 12/ 2011 بإصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
مرسوم
سلطاني رقم 7 / 2018 بإصدار قانون الجزاء
المرسوم وفقاً لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم 97 لسنة 1999 بإصدار قانون الإجراءات
الجزائية