جريدة الوطن
- الاثنين 25 نوفمبر 2019م
تعرف
على جرائم الاتجار بالبشر (الجزء العاشر)
(الوطن) بالتعاون مع الادعاء العام
بعد أن نشرتُ، في الجُزء المنصرم، مُجريات قضية الزواج القسري، التي حدثت لدينا في
إحدى ولايات السَّلطنة، كصورةٍ من صُورِ الاتجار بالبشر، وختمتها بالمآل التي آلت
إليه، وهو الحكم بالبراءة، تلقيتُ رسائل عبر الواتساب، من بعض المتابعين المهتمين
بالموضوع، متسائلين عمَّا إذا كان الزواج القسري يشكِّل أصلاً اتجارًا بالبشر؟
وكأنهم بذلك يقولون: من الطبيعي أن تُحكم بالبراءة، مادامت هي قضيةٌ مدنية صرفة، لا
شأن لها بالقضاء الجزائي؛ فكيف والحال كذلك، تدرج ضمن خانة الاتجار بالبشر، ونتوقع
الإدانة.
هنا أكرّر ما سبق وأن ألمحت إليه في الفقرة الأخيرة من الجزء الفائِت، بأن المحكمة
لم تُنازع في صحة التكييف القانوني، فلم تُشِر ـ لا من قريبٍ، ولا من بعيد ـ إلى أن
الزواج القسري لا يمكن عدّه اتجارًا بالبشر، وجُل ما في الأمر، أنها ناقشت مدى صحة
وسلامة ما ادَّعته المجني عليها؛ لتنتهي، في الختام، إلى البراءة، لعدم وصولها إلى
القناعة اللازمة والقاطعة باقتراف المتهمين للجُرم محل النظر، وهذا من إطلاقات
محكمة الموضوع، تقرِّره دونما رقابة عليها من المحكمة العليا.
ـ كيف يعد اتجارًا بالبشر؟:
قبل الإجابة على هذا التساؤل، ينبغي أن نتذكر أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص
على أن للمرأة مطلق الحرية في اختيار الزوج المناسب، دون قهر أو إجبار، وأن هذا
الأمر جوهريٌّ، لا يمكن التهاون فيه؛ لارتباطه بصورة مباشرة بحياتها الخاصة،
ومستقبلها، وكرامتها؛ وهو الأمر الذي دفع بكثيرٍ من المنظمات الدولية إلى المطالبة
بضرورة تحديد سنٍ للزواج، للحيلولة دون تزويج القاصرات؛ فتحدد هذه السن في قانون
الأحوال الشخصية العُماني، بتمام الثمانية عشرَ عامًا، بالنسبةِ للذكور والإناث.
وبالنظر إلى أن الزواج القسري يتم رغمًا عن إرادة أحد الزوجين، أو كلاهما، فإن
منظمة الأمم المتحدة تعدّه انتهاكًا صريحًا وصارخًا لحقوق الإنسان.
يُشار في هذا الصَّدد إلى أن الزواج القسري يأخذ صورًا عديدة، ومن ذلك ما نراه في
إحدى دول جنوب شرق آسيا، حيث يتم التعامل معه كأحد الحلول المتاحة لحل النزاعات
القبلية، حيث يقرر مجلس القضاء العشائري تزويج فتاة من أسرة الجاني، إلى شاب من
أسرة المجني عليه، كنوعٍ من العقاب الجمعي لأسرة الجاني. ومن ذلك أيضًا، ما نراه في
بعض المجتمعات الأفريقية، جنوب الصحراء، حيث يتقرَّر تزويج الأرملة من أحد أقارب
زوجها المتوفى، للحيلولة دون استحواذ الغريب على مال الأسرة.
ومن هذا المنطلق، يعترض بعض الباحثين على ربط هذا العمل القسري اللاإنساني بكلمة
الزواج، ويرون الإشارة إليه باسم (العبوديةِ المستترة)، بدلاً من الزواج القسري.
ويتفق الإسلام مع هذا المنظور، من منطلق أن انتفاء القبول، ينفي عن الارتباط بين
الرجل والمرأة صفة الزوجية.
ـ هو اتجار بالبشر بإمتياز:
يُستفاد من المادة (3) من البروتوكول، والمادة (2) من قانون مكافحة الاتجار بالبشر
العُماني، أن جريمة الاتجار بالبشر لا تستقيم إلا باقتران فعل من الأفعال
المحدَّدة، بوسيلةٍ من الوسائِل الواردة على سبيل المثال في هاتين الوثيقتين، بقصد
استغلال المجني عليه؛ وأوضح المشرّع أن الاستغلال يقصد به الاستخدام غير المشروع
للشخص، ويشمل مجموعة من الأعمال غير المشروعة، من ضمنها، الممارسات الشبيهة بالرق.
ولما كان البروتوكول وكذا القانون الوطني لم يأتيان بتعريفٍ لهذه الممارسات؛ فلا
مناص، والحال كذلك، من الرُّجوعِ إلى شيءٍ من الصكوك أو المعاهدات الدولية المعنية
بمسألة تجريم أعمال الرق، وكل ما يتصل بها من أعمال؛ فكان الرجوع إلى الاتفاقية
التكميلية لإبطال الرِّق لعام 1956م، والتي أوضحت صراحةً بأن الممارسات الشبيهة
بالرق كثيرة، من ضمنها ما يُعرف بإيسار الدَّين (ارتهان المدين مُقابل تقديم
خدماته، أو خدمات شخص تابع له، ضمانًا لدينٍ عليه)، أو أيٍّ من الأعراف أو
الممارسات التي تتيح تزويج إمرأة دون أن يكون لها الحق في الرفض؛ أو جعل المرأة
إرثًا، بعد وفاة زوجها، ينتقل من شخصٍ لآخر. وبهذا، نكون قد عثرنا على ضالتنا.
وعليه، فإن عدم تناول القانون العُماني، ولا البروتوكول لمسألة الزواج القسري، لا
يُخرجها من دائرة التجريم؛ لورودها ضمن صور الممارسات الشبيهة بالرق، في الاتفاقية
الدولية ذات العلاقة، وإن الأمر يبقى كذلك، حتى وإن لم تصادق السَّلطنة على هذه
الاتفاقية، إذ أننا لسنا بصدد الحديث عن التزامٍ من الالتزامات التي تفرِضُها
الاتفاقية، وإنما، بصدد الوقوف على تفسيرٍ لمصطلحٍ استورده المشرع من الاتفاقية.
من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه لا خلاف بين دول العالم في أهمية تجريم الزواج
القسري، بقدر ما هناك خلاف حول القانون المجرم للفعل. ففي الوقت الذي اتجهت كثير من
الدول إلى إخضاع الفعل لقانون مكافحة الاتجار بالبشر، وفق التوضيح المتقدَّم، اتجهت
دولٌ أخرى، مثل المملكة المتحدة إلى إخضاع الفعل لقانونٍ مُستقل، هو قانون الحماية
المدنية ضد الزواج القسري لعام 2007م، يسري في مقاطعات انجلترا، وويلز، وإيرلندا
الشمالية. يعطي هذا القانون الحق لضحايا الزواج القسري في التقدم بطلبٍ رسميٍّ من
أجل الحصول على الحماية المباشرة من الهيئات القضائية ضد الفاعل، وقد صدر تشريع
مماثل في اسكتلندا في عام 2011م.
ـ مثال لقضية الزواج القسري من مصر:
في مطلع عام 2010م، تصدَّت وزارة الأسرة والسُّكان المصرية لهذه القضية أمام
النيابة العامة، على إثر برنامج تلفزيوني تناول مُشكلة زواج القاصرات في مصر؛ حيث
ورد فيه أن فتيات، دون السن القانونية، يتم بيعهن إلى رجالٍ، لأجل إشباع غرائزهم
الجنسية، تحت غطاء الزواج. وبدعمٍ من البرنامج التلفزيوني، وقفت النيابة العامة على
حالاتٍ كثيرة، منها الحالة الماثلة، وهي لفتاةٍ، دون السِّنِ القانونية، سلمها
والديها إلى ثريٍّ عربي، يبلغ من العمر (76) سنة، عن طريق وسيط (سمسار زواج)،
ولإضفاء المشروعية على هذا العمل اللاإنساني، دأب الوسيط على إحضار مُحامٍ لأجل
إبرام عقد زواج عُرفي.
يتمثل دور الوسيط في اختيار العوائل التي تعيش في فقرٍ مُدقع، فيستغل حاجتهم الماسة
لأبسط موجبات العيش الكريم، فيغريهم بالمال، مقابل تزويج بناتهم. إن الأمر الذي
عظَّم من الاستنكار الجماهيري، تمثَّل فيما عرضه البرنامج التفلزيوني من أن هؤلاء
القاصرات، يُعرضن على الزبائن، بطريقةٍ مُزرية ومُقزِّزة؛ حيث تُعرض القاصرات على
الزبون، في آنٍ واحد، فيختار ما تروق له، وتُرَد الأخريات، غير المرغوب فيهن.
أقر المتهمان الثاني والثالثة (والدي الضحية) أنهما سلَّما ابنتهما، بواسطة الوسيط،
الذي أغراهما بالمال، وأنهما كانا مدركين أن ابنتهما لم تبلغ سن الزواج، (16)
عامًا، إلا أن الحاجة هي التي دفعتهما إلى قبول العرض، وأنهما كانا مدركين أن الزوج
من مواليد عام 1934م.
عقِبَ انتهاء النيابة العامة من التحقيقات في القضية المقيدة بالرقم:(1685 /2010)،
قرَّرت إحالة جميع المتهمين الخمسة إلى محكمة جنايات الجيزة، وهم: الزوج،
والوالدين، والوسيط، والمحامي. وبتاريخ 20 مايو 2010م، أصدرت المحكمة حكمًا حضوريًا
بإدانة جميع المتهمين والحكم عليهم بأحكامٍ مُغلَّظة. طعن المحكوم عليهم في الحكم
أمام محكمة النقض، التي بدورها نقضت الحكم، بتاريخ 12 فبراير 2011م، وقرَّرت
إعادتها لمحكمة الجنايات، لإعادة المحاكمة أمام هيئةٍ مُغايرة، وهو الحكم الذي لم
يتسنَّ لنا الاطلاع عليه.
يُذكر، فإن هذه القضية وقعت قبل صدور قانون مكافحة الاتجار بالبشر في مصر، فكان
التصدي لها بقانون العقوبات، الذي يتضمَّن نصوصًا قانونية لملاحقة استغلال القصر
جنسيًا، واساءة الوالدين سلطاتهم الأبوية على الأبناء.
(نقض 12 /1 /2011، رقم 9801، السنة القضائية 80)، منشور في موقع قاعدة بيانات قضايا
مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة/ قضايا الاتجار بالبشر، المعروف
بموقع:(SHERLOC).
النظام
الأساسي وفقًا لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم (101/96) بإصدار النظام الأساسي للدولة
مرسوم سلطاني رقم 126/2008 بإصدار قانون مكافحة الإتجار بالبشر
مرسوم سلطاني رقم 22/2014 بإصدار قانون الطفل
مرسوم سلطاني رقم 12/ 2011 بإصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
قرار وزارة الصحة رقم 179 / 2018 بإصدار اللائحة التنظيمية لنقل وزراعة الأعضاء
والأنسجة البشرية