جريدة الوطن
- الأثنين 2 ديسمبر 2019م
تعرف
على جرائم الاتجار بالبشر (الجزء الحادي عشر) (نزع الأعضاء البشرية)
(الوطن) بالتعاون مع الادعاء العاتم
أشرنا في الجزء الثالث من هذا الموضوع إلى أن جرائم الاتجار بالبشر، لا تندرج تحتها
الأشكال المختلفة للاستغلال الجنسي فحسب، ولا كل ما يُعدُّ من قبيل الاسترقاق، ولا
الممارسات الشبيهة بالرقِ وكفى، وإنّما تندرج تحتها أعمالُ السُّخرةِ، والعمل
القسري، في الوقت عينه.
ولقد تعرفنا أيضًا على الأفعال المندرجة تحت الممارسات الشبيهة بالرق، والتي من
ضمنها الزواج القسري، وفق الإبانة التفصيلية التي أوردناها في الجزء العاشر من هذا
الموضوع.
لم يكتفِ المشرع بالمحاور المتقدمة، في بيانِه للأفعال المندرجة تحت جرائم الاتجار
بالبشر، وإنما أضاف إليها النزع غير المشروع للأعضاء. مع ملاحظة أن بعض المشرعين
اتجه إلى إفرادِ قانونٍ مُستقلٍ لهذا الأخير، في حين أن القانون العربي الاسترشادي
عدَّه من قبيل جرائم الاتجار بالبشر، وكذلك فعل كثير من المشرعين العرب؛ لقيام
الفعل عادةً على عنصر استغلال حاجة المتبرع للمادة من ناحية، وعنصر الحيلة والخداع
من ناحيةٍ أخرى.
يقول شاكر العموش (2016): إن الاعتداء الذي يُحوّل جسم الإنسان إلى سلعة، ومصدر
لقطع الغيار لمن يدفع أكثر في سوق الأعضاء البشرية، لا تجزيه النصوص التقليدية في
التعامل معه، ويستدعي نصوص خاصة لردعه، من خلال فرض ما يناسبه من عقوبات.
لذلك عَدَّ بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر، هذا الفعل اللاإنساني صورةً
من صور الاتجار بالبشر.
ويقصد بالنزع غير المشروع للأعضاء هنا هو: استغلال حاجة الإنسان إلى المادة، فينزع
من جسمه عضو أو أكثر مقابل المال. لاشك أن هذا الفعل، هو في الأساس، يشكل اعتداء
على حق الانسان في سلامة جسده، وهو الحق الذي حمَتهُ القوانين الجزائية من أي
اعتداءٍ مقصود أو غير مقصود؛ أيًا كانت الوسيلة أو الغاية. إلا أن نصوص القوانين
الجزائية التقليدية ستتعامل مع الفعل من منطلق أنه جريمة إيذاء بسيط أو بليغ، حسب
ما إذا كان الاعتداء أفضى إلى مرض المجني عليه، أو تعطيله عن أداء أعماله مدة تزيد
أو تنقص عن فترةٍ محدَّدة، يحددها المشرع، عادة عشرين أو ثلاثين يومًا.
يلاحظ أن مصطلح (النزع) بحد ذاته، الذي استخدمه المشرع الدولي، وكذا المشرع الوطني،
في الموضوع الماثل، يقودنا إلى الاعتقاد أن عملية الاستئصال، تمت دون إرادة المنقول
منه العضو أو تمت بإرادةٍ معيبة، كما لو استَغَل الجاني في المجني عليه ما يُعانيه
من ضعفٍ نفسيّ أو جسديّ أو أن تكون العملية تمَّت تحت وطأة سلطةٍ ما للجاني على
المجني عليه. وعليه، فإذا ما أكَّدت التحقيقات أن الشخص الذي نقل منه العضو، بادر
من تلقاءِ نفسِه إلى التبرع بالعضو، لشخصٍ محتاج، دون مقابل فلا نكون أمام واقعة
الـ(نزع) التي يجرمها القانون وبالتبعية، لا نكون أمام جناية جريمة الاتجار بالبشر
لانتفاء ركن الاستغلال. كما لا تستقيم جريمة الاتجار بالبشر أيضًا، إذا تأكد بأن
عملية نزع العضو تمَّت بقصد الانتقام من المجني عليه، أو إحداث عاهة ولم تكن بقصد
الاستغلال والتربح. مع الإشارة إلى استقامة جريمة أخرى، في هذه الحالة الأخيرة، وهي
جريمة الاعتداء على سلامة جسم الإنسان، المنصوص عليها في المادتين (308 – 309) من
قانون الجزاء، حسب المرض الذي أفضى إليه الاعتداء، أو التعطيل الذي لحق بالمجني
عليه عن أداء أعماله. والمعيار هنا هو ما إذا كان التعطيل يزيد أو ينقص عن ثلاثين
يومًا.
وإذا ما أكّدت التحقيقات، عطفًا على ذلك، أن من نُقل منه العضو، برغبةٍ وإرادةٍ
سليمتين منه، فعل ذلك لأجل بيع العضو؛ فيكون هذا الشخص جانيًا وليس مجنيًا عليه؛ بل
ويُعد مسؤولاً عن ذلك، وفق ما تؤكده اللائحة التنظيمية لنقل وزراعة الأعضاء
والأنسجة البشرية، الصادرة بموجب قرار وزير الصّحة رقم:(179 /2018)، حيث نصَّت
المادة (21) منها على الآتي: (يحظر إجراء عمليات نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة
البشرية بمقابل مادي، أو عيني)، وأشارت المادة (29) أن من يفعل ذلك يعاقب بعرامةٍ
إدارية مِقدارها ستة آلاف ريال عماني، وذلك، دونما الإخلال بأي عقوبة أشد في قانون
الجزاء، أو في أيّ قانونٍ آخر. مع ملاحظة أن اللائحة تشترط في المتبرع أن يكون على
صلة قرابة بالمتبرع له، حتى الدرجة الرابعة، على أنه يجوز التبرع لغير الأقارب، إذا
كان المتبرع له في حاجةٍ ماسة للزرع، ولم يجد متبرعًا من درجة القرابة المذكورة،
وذلك إعمالاً للقاعدة الشرعية (الضرورات تبيح المحظورات)، شريطة موافقة اللجنة
الفنية المعنية بتنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية. مع ملاحظة أن هناك بعض
التشريعات أجازت التبرع حال ارتبط المتبرع بالمتبرع له بقرابة المصاهرة.
التبرع بين الأقارب فقط:
يذكر، فإن الاتجاه العالمي ذهب نحو حظر التبرع بين غير الأقارب، وذلك للحيلولة دون
الاتجار في الأعضاء، والتربح من ورائها. ويرى العموش (2016) أنها تجارة تمس
بالطبيعة الإنسانية للبشر، كونها تنزل بالأعضاء البشرية، بل تنزل بالإنسان، إلى
منزلة قطع الغيار بالنسبة للمكائن، بل وتؤدي أيضًا إلى ازدهار الأسواق السوداء لتلك
الأعضاء. لم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما نشأت، من وراء جوازية التبرع لغير
الأقارب، عصابات تعمل على خطف الأطفال، وكذا المشردين، فتقتلهم، وتبيع أجسامهم
بمبالغ طائلة. لهذا، جاء الاتجاه العالمي بتجريم الاتجار في الأعضاء البشرية، من
باب سدّ الذرائع، للحيلولة دون حدوث هذه المحاذير، كما اتجهت بعض التشريعات، مثل
التشريع المصري، إلى حظر نقل العضو من مصري، لزرعه في أجنبي، للسبب ذاته.
ويرى عبدالقادر الشيخلي (2009)، أن الحظر يجد أساسه الشرعي في قوله تعالى:(ولقد
كرَّمنا بني آدم). فالإنسان مكرمًا بجميع أجزائه، وقيام الشخص ببيع أحد أجزائه،
ينطوي على إنكار وهدر لكرامة الإنسان؛ وبه يلحق بالجمادات، وهو انتقاص شديد لكرامته
البشرية، لأجل حفنة من المال.
يذكر، فإن المسئولية تطال ليس فقط من باع العضو (المنقول منه)، ولا من قام بالتوسط
بين البائع والمشتري وكفى؛ وإنما تطال المشتري أيضًا، أي المريض الذي نقل إليه
العضو؛ إذ لولاه، لما ازدهرت السوق السوداء لهذه التجارة غير الإنسانية؛ فلولا
الطلب، لما وجد العرض.
أخيرًا، فإن عمليات نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، يحظر إجراؤها في غير
المؤسَّسات الصحية المرخصة من قبل وزارة الصحة، لهذا النوع من العمليات المعقدة،
حكومية كانت أم خاصة، كما يجب أن يكون الطبيب أيضًا مرخصًا بإجرائها. وعلى الأخير
الامتناع عن إجراء العملية، إذا نمى إلى عِلمه، بأي وسيلة، أن النسيج البشري، أو
العضو المطلوب نقله وزراعته، قد تم الحصول عليه بمقابل، أيًا كانت صورته، وفق
مقتضيات المادة (16) من اللائحة، وأية مخالفة لمقتضيات هذه المادة، تفرض على الطبيب
مخالفة إدارية مقدارها ستة آلاف ريال عماني.
الالنظام الأساسي وفقًا
لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم (101/96) بإصدار النظام الأساسي للدولة
مرسوم سلطاني رقم 126/2008 بإصدار قانون مكافحة الإتجار بالبشر
مرسوم
سلطاني رقم 22/2014 بإصدار قانون الطفل
مرسوم
سلطاني رقم 7 / 2018 بإصدار قانون الجزاء
قرار
وزارة الصحة رقم 179 / 2018 بإصدار اللائحة التنظيمية لنقل وزراعة الأعضاء والأنسجة
البشرية