جريدة الوطن
- الأثنين 16 ديسمبر 2019م
تعرّف على جرائم الاتجار بالبشر (الجزء الثالث عشر) (يتبع: نزع الأعضاء البشرية)
كنا قد استعرضنا في الجزء الحادي عشر،
من هذا الموضوع، المحور الثالث والأخير، من المحاور المندرجة تحت جرائم الاتجار
بالبشر، وهو محور (نزع الأعضاء البشرية).
ولما كان استعراضنا لهذا المحور، أتى ـ على خلاف العادة ـ خاليًا من الأمثلة
السياقية، والمتمثلة في القضايا الواقعة محليًا أو إقليميًا، والتي بها دعمنا
المحورين السابقين (الاستغلال الجنسي، واستغلال عمالة الغير)، من باب كسر الجمود
النظري، والحرص على إيصال المضمون إلى عامة الجمهور بطريقةٍ سلسةٍ، وأكثر قبولاً
وهضمًا، فلقد تلقيت بعضًا من الاتصالات، والرسائل الهاتفية، من بعضِ الخيرين
المخلصين، الذين عزّني ونصرني الله بهم، مُعاتبين عتاب المحبين، لخروجي عن نهج
الاستشهاد بالقضايا في هذا المحور، كما زارني في مكتبي، أحد زملاء العمل، يستفسر عن
الكيفية التي تتأتى لنا التعامل مع المنزوع منه العضو بصفته جانيًا لا مجنيًّا
عليه، وفق ما أشرنا إليه في الجزء الحادي عشر.
وتوضيحًا لذلك، سنستعرض بعض القضايا ولكن، سنسبق ذلك بعض التوضيح النظري، وفق
التالي بيانه:
يقول في هذا السياق شاكر العموش (2016): كثيرًا ما تختلط، في عقول الناس، جريمة نزع
الأعضاء البشرية، التي تُعد من جرائم الاتجار بالبشر، مع جريمة الاتجار بالأعضاء
البشرية، التي لا تعد كذلك. ورغم التشابه بينهما، فثمّة جوانب مختلفة. فجريمة نزع
الأعضاء، تتم دون رضى المجني عليه، وتستخدم في اتمامها وسيلة من الوسائل المكونة
لجرائم الاتجار بالبشر، المشار إليها في البروتوكول وفي القوانين الوطنية المكافحة
للاتجار بالبشر، بينما جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية، تتم برضى البائع، دون أن
تُمارس عليه أيّ من الوسائل المذكورة. وعليه، فالمنقول منه العضو في جريمة نزع
الأعضاء البشرية، يُعد مجنيًا عليه، في جريمة من الوزن الثقيل، وهي الاتجار بالبشر،
ولا يُسأل عنها لا جنائيًا ولا مدنيًا، بينما في جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية،
التي تتم بالرضى، فإن البائع لأحد أعضائِه البشرية بطوعِه واختياره، يُعد جانيًا،
وليس مجنيًا عليه؛ ولا يعفى من المسئولية الجنائية، وفق أحكام القوانين الخاصة
المنظمة لزراعة الأعضاء البشرية.
وبالرجوع إلى قاعدة البيانات الخاصة بمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات
والجريمة، المعروف باسم (SHERLOC)، فلقد وقفنا على أربع قضايا من المملكة الأردنية
الشقيقة، وهي على النحو التالي:
قضية (1):
في غضون عام 2009م، سافر المتهم الأول (س. ص) إلى جمهورية مصر العربية، وتبرع
بكليته هناك بمقابل مادي، ودون المرور بالإجراءات القانونية، من موافقة اللجنة،
وخلافها. فور عودته إلى الأردن، تم إلقاء القبض عليه، بتهمة بيع كليته، بالمخالفة
لأحكام المادة (4/ج) من قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان، رقم (23) لسنة 1977
وتعديلاته. إذ تنص المادة على الآتي:(لا يجوز أن يتم التبرع بالعضو مقابل بدل مادي
أو بقصد الربح)، وأورد المشرع العقوبة في المادة (10) من القانون، بالنص
التالي:(دون الإخلال بأي عقوبة ورد النص عليها في أي تشريعٍ آخر، يعاقب كل من ارتكب
مخالفة لأحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة، أو بغرامة لا تقل عن عشرة
آلاف دينار؛ أو بكلتا هاتين العقوبتين). أقر المتهم بالتصرف في كليته بمقابل مادي،
إلا أنه دافع عن نفسه الاتهام بالقول أن ذلك حدث منه تحت وطأة التهديد والضغط
الشديد من قبل (ع. ل)، وكذا (ق. ح). قررت النيابة العامة إحالة الجميع إلى المحكمة
المختصة، التي بدورها قضت بتبرئة المتهمين الثاني والثالث لعدم كفاية الدليل؛
وإدانة الأول (س. ص) بمخالفة أحكام المادة (4/ج) من القانون، وحكمت بسجنة لمدة سنة
نافذة. تم قيد هذه القضية تحت رقم (UNODC no.: JOR018).
القضية (2):
وفي غضون السنة نفسها، 2009م، سافر المتهم من العاصمة الأردنية (عَمّان) إلى
بغداد، وباع كليته مقابل ثلاثة آلاف دولار أميركي، فتم إلقاء القبض عليه في بغداد،
وقدم إلى المحاكمة بتهمة التصرف في كليته بمقابل مالي، دون اتباع الإجراءات
القانونية؛ فتم الحكم عليه بالسجن لمدة سنة نافذة.
قيدت القضية في قاعدة بيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تحت
رقم (UNODC NO. JOR013).
القضية (3):
أكدت الحقيقات أن المتهم (أ.م) أكره المجني عليه (س.ص) على بيع كليته، وأرسله إلى
شخصٍ من معارفه في مصر، الذي بدوره سيباشر الإجراءات اللازمة لإتمام العملية. علم
شقيق الضحية بهذا المخطط الإجرامي، وبدوره أبلغ سلطات الضبط القضائي، التي لاحقت
المتهم بالمخالفة لأحكام المادة (80/2) من قانون العقوبات الأردني، وأحكام المادة
(4/ج) من قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان، وقضت المحكمة بسجن المتهم لمدة (8)
ثمانية أشهر نافذة. قيدت القضية في قاعدة بيانات مكتب الأمم المتحدة المعني
بالمخدرات والجريمة، تحت رقم:(UNODC NO. JOR017)
القضية (4):
وفي قضيةٍ مشابهة حكمت في الأردن أيضًا بتاريخ 24 يناير 2011م، حيث جَنّد
متهمون عددًا من الضحايا، بغرض إغرائهم ببيع كلاهم. رضخ أحدهم للإغراءات، وباع
كليته فعلاً نظير مبلغ وقدره ستة آلاف دولار أميركي، دفع منها ألف دورلار للمتهم.
أدانت المحكمة الضحية لبيعه جزءًا من جسمه مقابل كسب مادي، منتهكًا بذلك القانون
رقم (23) لسنة 1977م، وحكمت عليه بالسجن لمدة عام موقوف النفاذ، كما حكمت على
المتهمين أيضًا، الذين أغروا الضحية وجملوا له فكرة التخلي عن كليته بمقابل مالي،
وقضت بسجن كل منهم لمدة ستة أشهر، لمخالفتهم أحكام المادة (8) من قانون منع الاتجار
بالبشر رقم (9) لسنة 2009م.
المحكمة في هذه القضية، وعلى الرغم من أن الضحية مورست عليه وسيلة من الوسائل
المكونة لجريمة الاتجار بالبشر، وهي (استغلال حالة ضعف الضحية)، المتمثلة في
استغلال حاجة الضحية للمادة؛ إلا أنها، ومع ذلك، عدَّته مسئولاً جزائيًا، إذ رأت أن
وضعه المادي لم يبلغ تلك الدرجة من الهوان، التي تعدم إرادته، أو تعيبها إلا أنها
ومراعاةً لكونه ضحية اتجار بالبشر، قضت بوقف تنفيذ عقوبة مخالفته لقانون الانتفاع
بأعضاء جسم الإنسان. (القضية رقم 104/2011، عمّان، الأردن، المحكمة الجنائية، أول
درجة).
* المراجع:
العموش، شاكر إبراهيم (2016)، المواجهة الجنائية لجرائم الاتجار بالبشر، دراسة
مقارنة، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع، عَمّان.
مكافحة الاتجار بالأشخاص في العالم العربي، تحت إطار المبادرة العربية لبناء
القدرات الوطنية بالتعاون مع مشروع الحماية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات
والجريمة، والمؤسسة القطرية للحماية والتأهيل الاجتماعي، وجامعة الدول العربية.
مُساعد المدعي العام/ ناصر بن عبدالله الريامي
النظام الأساسي وفقًا
لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم (101/ 96) بإصدار النظام الأساسي للدولة
مرسوم
سلطاني رقم 126/2008 بإصدار قانون مكافحة الإتجار بالبشر
قرار
وزارة الصحة رقم 179 / 2018 بإصدار اللائحة التنظيمية لنقل وزراعة الأعضاء والأنسجة
البشرية