جريدة عمان الإثنين 27
يناير 2020 م - ١ جمادى الأخرة ١٤٤١ هـ
«الوطن»
بالتعاون مع الادعاء العام: قراءة في قانون التراث الثقافي رقم (35 /2019)
لاشك أنّ المحافظة على
تراثِ الوطن يُعدّ ضرورةً مُلحةً للأُمَمِ والشُّعوب، لما للتراث من دورٍ حيويٍّ في
تحقيقِ الذات الحضارية، وإثبات الهوية ليس للماضي التليد فحسب، وإنما للحاضِر
والمستقبل، في آنٍ واحد.
ومع ملاحظة عدم اقتصار التراث على المعالم كالحصون والقلاع والأبراج والأسوار فحسب؛
بل يمتدّ إلى كلّ ما يؤثر على الأمّة من تعبيرٍ غير ماديٍّ، ومن ذلك مجموعة الفنون
الشَّعبية القديمة، المعروفة بالفولكلور ـ تختلف في السَّلطنة حسب اختلاف المحافظة،
بل حسب اختلاف الولايات، في بعض الأحيان ـ منها الأغاني الشعبيّة، وغناء البحر،
وغناء العمل في السفينة، والرزحة، والرزفة (بجميع أنواعها وأشكالها)، والليوا،
والعازي، والتهلولة، والتغرودة، والونَّة، وزفة العريس، وزفة العروس، والهبّوت،
والربوبة، والنانا .. وغيرها الكثير من الفنون، منها فنون السَّيف، وفنون البوش،
وفنون الخيل. ولا يفوتنا أيضًا القصص والحكايات، والعلوم التقليديّة، والمعتقدات
الشعبية، والأمثال الشعبية، وعادات الزواج والمناسبات المختلفة، وما تتضمنه من طرقٍ
موروثة لأدائها، والتي تتوارثها الأمّة عبر العصور، تعبيرًا عن ثقافتها.
وهذا ما أوضحه المشرِّع في توضيحِه لمفهومِ التراثِ الثقافيِّ، في المادة (1/ز)،
بأنه:(كل ما له أهمية تراثية ثقافية، مادية كان أو غير مادية، بما في ذلك الآثار
والمدن التاريخية، والقرى التقليدية، والحارات، والآداب واللغات).
ومن هذا المنطلق، نفهم أن للتراث أهمية بالغة لوقوف الأمم والشُّعوب على ماضيها،
ليس المادي المحسوس وكفى، وإنما للوقوف على ماضيها غير المادي، في الوقت عينه.
فبهذا التراث، بنوعيه المادي وغير المادي؛ وقف الإنسان على كثيرٍ من الحقائق
التاريخية عن وطنه، ومن ذلك مقابر بات الأثرية، في ولاية عبري، التي تحكي لنا
الكثير من حضارة بات قبل ما يزيد على خمسة آلاف سنة. فلولا وجود هذا التراث بين
ظهرانينا، وغيره الكثير؛ لاندثر الأثر، ولضاع الأصل والتاريخ. لذلك، كان لزامًا على
الحكومات أن توجد القوانين اللازمة للمحافظة على هذا الأصل، وأن تعزِّزها بالعقوبات
والتدابير اللازمة لتحقيق هذا المبتغى الوطني.
أولاً ـ قانون حماية التراث القومي:
صدر هذا القانون، بتاريخ 10 /2 /1980م، بموجب المرسوم السُّلطاني رقم:(6 /80)، وكان
ذلك بعد أن انضمت السَّلطنة إلى الاتفاقية الدولية الخاصة بالتدابيرِ الواجب
اتخاذها لحظرِ ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافيَّة بطرقٍ غير
مشروعة، بموجب المرسوم السُّلطاني رقم (69 /77)، وتشكيل وزارة متخصَّصة باسم (وزارة
التراث القومي والثقافة)، في عام 1976م.
هذا، وبعد أن مضى على العمل بالقانون لتسعٍ وثلاثين سنة، رأت الجهةُ المختصَّة أنه
لم يعُد يفي بمتطلَّبات العصر؛ وأن الأمر، والحال كذلك، أضحى في مَسيسِ الحاجةِ إلى
قانونٍ جديدٍ، لسدِّ ثغرات القانون القديم.
ثانيًا ـ قانون التراث الثقافي:
من هذا المنطلق، صدر بتاريخ 2 مايو 2019م، المرسوم السُّلطاني رقم:(35 /2019)،
بإصدار قانون التراث الثقافي، الذي ألغى بمقتضاه قانون حماية التراث القومي رقم:(6
/1980).
هدف هذا القانون إلى إدارة التراث الثقافي بما يتماشى وروح العصر، ومن ذلك بأن أوجد
حوافز لكلِّ من يُسهم بعملٍ، من شأنه المحافظة على التراث الثقافي، وفق ما سنرى عند
استعراضنا لبعض أحكام القانون.
* أهم ملامح القانون الجديد:
1 ـ اشتمل القانون الجديد على (82) مادة، موزَّعةً على سبعةِ فُصولٍ، تناولت
أحكامًا لنواحٍ مختلفة للتراث الثقافي، لم يكن القانون الملغي ـ الذي اشتمل على
(50) مادة فقط ـ قد تطرَّق لها؛ لعدم الحاجة إليها في الزمن الذي صدر القانون في
ظله. نذكر من ذلك، التنوّع في تقسيم التراث الثقافي إلى تراث ثقافي مادي وغير مادي،
وإلى عام وخاص، وثابت ومنقول، وتراث ثقافي مغمور بالمياه، وتراث ثقافي عُماني عالمي.
2 ـ أوردَ المشرِّع في المادة (2) من القانون ما مُؤدَّاه سريان الأحكام الواردة في
هذا القانون، ليس على التراث الثقافي العُماني فحسب، وإنما على التراث الثقافي غير
العُمَاني، في الوقت عينه. فإذا حدث أن استعار متحف من المتاحف العُمانية، العامة
أو الخاصة، تراثًا غير عُمانيٍّ للعرض، بعد استيفاء الشروط التي ستبينها اللائحة
التنفيذية للقانون، فإن المادة المذكورة ستوفر لها الحماية القانونية المطلوبة.
3 ـ أوضحت المادة (7) من القانون حالات محدَّدة، عدَّها جُزءًا من التراثِ الثقافيِّ
العُماني، وذكر من ذلك: التراث الثقافي الذي يبتدعه العُمانيون خارج أراضي
السَّلطنة، وكذا التراث الثقافي الذي يبتدعه غير العُمانيين المقيمون في السَّلطنة
إقامة دائمة، وفق ما يُقرِّره الوزير أهميَّته للسلطنة.
4 ـ كما أن المادة (12) أوضحت بأن التراث الثقافي الثابت الموجود على سطح الأرض،
مثل المنازل القديمة ذات القيمة الأثرية، تكون ملكًا خالصًا لصاحب الأرض، شريطةً أن
تكون الأرض مُقيَّدة باسمه في السّجل العقاري، أما التراث الثقافي المنقول الموجود
على سطح الأرض، مثل: الفخاريات، والأدوات النحاسية القديمة، فتكون ملكًا عامًا
للدولة، ما لم تثبت ملكيّته لشخصٍ آخر، أما التراث الثقافي المادي الموجود في باطن
الأرض، فتكون ملكًا عامًا للدولة.
5 ـ ومن باب تشجيع العامة على القيام بدورٍ وطنيٍّ فاعلٍ في المحافظةِ على التراث
الثقافي، قرّر المشرِّع للوزارةِ صلاحيَّة إيجاد ما يكفي من الحوافزِ الماديةِ
والمعنوية، لكلِّ من يسهم بعملٍ من شأنِه المحافظة على التراث، وفق التفصيل الذي من
المُقرَّر أن تحدِّده اللائحة.
6 ـ كما أن المشرِّع جرَّم، في المادة (16)، من يعمد، بدون الحصول على ترخيص من
الوزارة، إلى بيعِ أو شراءِ التراثِ الثقافيّ، أو تصديره أو استيراده؛ أو إلى نسخ
التراث الثقافي أو تقليده أو صيانته، أو يعمد إلى إقامةِ المتاحف أو بيوتِ التراث
الخاصة، وأوجد لها عقوبة، في حال المخالفة، تصل إلى السجن حتى أربعة عشرَ يومًا،
والغرامة حتى ألف ريال عُماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
7 ـ أجاز المشرِّع للوزير أن يرخِّص بتشغيلِ أو استثمار التراث الثقافيِّ العام،
بموجبِ اتفاقيةٍ تتضمَّن شروط وضوابط التشغيل أو الاستثمار، وذلك على النحو الذي
ستحدِّده اللائحة.
8 ـ كما أوجب المشرِّع، على كلِّ من يملك أو يحوز تراثًا ثقافيًا، أن يتقدَّم إلى
الوزارة بطلبٍ لقيدِه في سجل التراث الثقافي العُمَاني، في الموعد الذي تحدِّده عند
العمل بأحكام القانون، أو خلال (120) يومًا من تاريخ حيازته المشروعة له، بحسب
الأحوال، وذلك وفق ما جداء في حكم المادة (36) من القانون.
9 ـ حظرت المادة (39) على أيٍّ كان، داخل السَّلطنة أو خارجها، إجراء أيَّ عملٍ من
أعمال المسح والتنقيب عن الآثار في السلطنة إلا بعد الحصول على ترخيص من الوزارة،
وفق الكيفية التي ستحدِّدها اللائحة.
10 ـ وفي السِّياق نفسه، أجاز المشرِّع للوزارة الحق في إجراء أعمال المسح والتنقيب
عن الآثار في الأراضي المملوكة للأشخاص، ملكية خاصة، بعد إخطار المالك بذلك، وفي
جميع الأحوال، للوزارة الحق في الاستيلاء مؤقَّتًا على الأراضي المملكة للأشخاص،
لغرض المسح والتنقيب عن الآثار المنقولة؛ على أن تلتزم بإعادة الأرض إلى حالتها
الأصلية عند الاستيلاء، ويتعين على الوزارة تعويض صاحب الشأن عن مدة حرمانه من
الانتفاع بالأرض.
11 ـ مع ملاحظة أن للوزارة، وفق مُقتضيات المادة (41)، الحق في نزعِ ملكيةِ أيّ
تراثٍ ثقافيٍّ ثابتٍ، أو أرضٍ تحتوي على تراثٍ ثقافيٍّ للمنفعةِ العامة، مُقابل
تعويضٍ عادلٍ ما لم يتم الاتفاق مع المالك على غير ذلك، مع ملاحظة أن المقصود
بالتراث الثقافي الثابت، وفق ما جاء في المادة (1/ك)، هو:(كل تراث ثقافي مستقر في
حيِّزه، ثابت فيه، يتعذَّر نقله دون تلف أو تغييرٍ في هيئته، سواء كان على سطح
الأرض أم في باطنها).
12 ـ وفي السِّياق ذاته، فللوزارة أيضًا الحق في نزع ملكية أيّ تراث ثقافي منقول،
للمنفعة العامة، مقابل تعويضٍ عادلٍ، ما لم يتم الاتفاق مع المالك على غير ذلك،
وذلك وفق مُقتضيات المادة (43)، مع ملاحظة أن المقصود بالتراث الثقافي المنقول، وفق
ما جاء في المادة (1/ل)، هو:(كل تراث ثقافي مادي يمكن نقله من مكانٍ لآخر).
13 ـ جديرٌ بالذِّكر، فلقد أجاز المشرع، في المادة (47)، لمالك التراث الثقافيّ
المنقول، الحق في التظلم أمام الوزير من قرار نزع الملكية، وله الحق أيضًا في
التظلُّم من تقدير التعويض المستحق على أن يقدّم التظلم خلال ستين يومًا من تاريخ
النشر في الجريدة الرسمية، أو من تاريخ الإخطار، بحسب الأحوال. وإذا تقرَّر رفض
التظلّم، فيجب أن يكون قرار الرَّفض مُسبَّبًا، على أن يخطر المالك بالقرار خلال
ثلاثين يومًا من تاريخ الرَّفض.
14ـ وفي هذا سياق، قرَّر المشرع في المادة (75) عقوبة لمن يمتنع عن تنفيذ قرار
نهائي بنزع ملكية التراث الثقافي المنقول، أو قرار الاستيلاء المؤقت عليه، أو
يتسبَّب في تعطيلِ تنفيذه. تصل العقوبة في هذه الحالة السَّجن لمدة سنة واحدة؛
وبغرامة حتى خمسة آلاف ريال عُماني؛ أو بإحدى هاتين العقوبتين.
15 ـ مع ملاحظة أن المشرِّع أوردَ في المادة (52) حُكمًا، راعى فيه مصلحة مُلاك
التراث الثقافي، وذلك بأن قرَّر سقوط مفعول قرار نزع ملكية التراث الثقافي المنقول
للمنفعة العامة، إذا انقضى على نشر القرار سنة كاملة دون أن تتَّحذ الوزارة إجراءات
نزع الملكية المنصوص عليها في القانون.
16 ـ وتحت الفصل الخامس، الخاص بحماية التراث الثقافي، أورد المشرع في المادة (53)
مجموعةً من المحظورات، نذكر منها: الإضرار أو الاعتداء على التراث الثقافي، أو على
موقعه أو الإحرامات الخاصة به؛ واقتراف أيِّ فعلٍ أو قولٍ، ينالُ من احترام التراث
الثقافي العُماني وتشويه التراث الثقافي غير المادي أو الاستهزاء به أو الإساءة
إليه، أو استخدامه أو استغلاله بطريقةٍ غير مشروعة، وتخريب أوإتلاف أو سرقة أو
تهريب أيّ مواد أو أجزاء من التراث الثقافي، وإلقاء الأنقاض أو النفايات أو
المخلَّفات أو الأتربة أو الرمال أو الحيوانات النافقة أو دفنها في المواقع
التراثية الثقافية أو الإحرامات. مع ملاحظة أن المقصود بالإحرامات، هو:(المنطقة
المحيطة بموقع التراث الثقافي، أو المجمَّعات التراثية الثقافية، أو المبنى التراثي
الثقافي، وذلك وفق ما ستحدِّده اللائحة).
17 ـ وفي الفصل ذاته، حظرت المادة (54) القيام بأعمالٍ كثيرة، من ضمنها، عرض
الإعلانات أو رفع اللافتات أو تركيب الهوائيات أو الأنابيب، أو لصق الإشارات أو
زراعة الأشجار أو قطعها في موقع التراث الثقافي، أو في الإحرامات، وترتيب أيّ حقٍ
من حقوق الإرتفاق على موقع التراث الثقافي، والقيام بالأعمال الإنشائية في مواقع
التراث الثقافي أو الإحرامات.
18 ـ ألزمت المادة (55) كلّ من يقوم بأيّ عملٍ إنشائيّ، التوقُّف الفوري عن أعمال
الإنشاء، حال العثور على آثار أو دلائل على وجود تراث ثقافي، وعليه أن يخطر الوزارة
بذلك خلال فترةٍ غايتها ثمانٍ وأربعين ساعة.
19 ـ إذا نما إلى علم الوزارة وجود تراث ثقافي في حيازة شخص ما بطريقةٍ غيرِ مشروعة،
يكون لها ضبطه، بعد الحصول على إذن بذلك من الادِّعاء العام، والتحفظ عليه، واتخاذ
الإجراءات المقرَّرة قانونًا بشأنه.
20 ـ وكلّ من يُضبط في حيازتِه تراثٍ ثقافيٍّ بطريقةٍ غيرِ مشروعة، يُعاقب بالسَّجن
لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، وبغرامة حتى عشرة آلاف ريال عُماني، أو بإحدى هاتين
العقوبتين.
21 ـ أخيرًا، فلقد أجاز المشرِّع للوزير، أو من يفوضه، التصالح في الجرائم المنصوص
عليها في هذا القانون، أو اللائحة، أو القرارات الصادرة تنفيذًا لها، وذلك في أي
حالة تكون عليها الدعوى العمومية، وقبل صدور حكم فيها، مقابل دفع مبلغ مالي لا يقل
عن ضعف الحد الأدنى للغرامة المقرَّرة، ولا يزيد على ضعف الحد الأقصى لها، ويترتب
على التصالح انقضاء الدَّعوى العمومية في الجريمة.
مرسوم
سلطاني رقم 35 لسنة 2019 بإصدار قانون التراث الثقافي
مرسوم
سلطاني رقم 56/2005 بالتصديق على اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي
مرسوم
سلطاني رقم 9/ 75 بإصدار قانون التنمية الاقتصادية
رسوم
سلطاني رقم (40) لسنة 2016 بتحديد اختصاصات وزارة التراث والثقافة واعتماد هيكلها
التنظيمي
قرار وزارة
التراث والثقافة رقم (212/2016) بإصدار اللائحة التنظيمية للمبادرات الثقافية
قرار وزارة
التراث والثقافة رقم 228 /2015 بإصدار اللائحة التنظيمية للإنشاد
الثقافة
والإعلام بالدولة تناقش قانون التراث الثقافي