جريدة
الوطن الإثنين 27
يوليو 2020 م - ٦ ذي الحجة ١٤٤١ هـ
«الوطن» بالتعاون مع الادعاء العام: دور الادِّعاء العام في منازعات الحيازة
إيمانا منهما بأهمية
تثقيف المجتمع قانونيا ومعرفة الآثار المترتبة جزائيا على الأشخاص المخالفين لمواده
وتوعية المجتمع وتثقيفه حتى لايقع أفراده تحت طائلة القانون بجهل أو عدم معرفة من
خلال طرح قضية ومعرفة جوانبها القانونية وعقوبتها والآثار المترتبة عليها .
يحدث في الواقع العملي أن نرى نزاعًا ينشُب بين طرفين، يزعم فيه كلّ طرفٍ أحقيتِه
بحيازةِ مالٍ منقول أو عقار؛ أو أن يتنازعان على ملكية المال ذاته. ومن تطبيقات هذه
الفرضية، أن يضع شخص يده على قطعة أرض، ويشرع في تسويتها، تمهيدًا لتشييد منزلًا
عليها، فينازعه في الأرض شخصٌ آخر، زاعمًا ملكيته لها، وأن مقتضيات الملكية تمنحه
هو فقط، دون سواه، حقًّا حصريًّا لممارسة حقوق الملكية.
الحال عينه ينسحب على من يدفع، ليس بملكيته للأرض، وإنما بتمتعه بحقٍ من حقوقِ
الانتفاع عليها؛ مُشيرًا إلى أن مُقتضيات هذا الحق تمنع المالك من التصرُّف في
العقار، دونما استرضائه.
لا شك أن هكذا نزاعٌ هو من اختصاصِ القضاء المدني، الذي يتقاضى أمامه المتخاصِمون
بشكلٍ مُباشر، دونما تدخُّلٍ من الادِّعاء العام لتحريكِ الدعوى؛ ومع ذلك، فسُرعان
ما قد يتطوّر هذا النزاعُ المدنيّ إلى نزاعٍ جزائي، نتيجة الاشتباك بالأيدي الذي قد
ينشُب بين الطرفينِ المتنازعين؛ لا سيّما إذا ما علِمنا أن القضاءَ المدنيّ عادةً
ما يطول أمَده؛ فيؤدي ذلك إلى الإخلالِ بالأمن والنظام العام.
لتفادي هذا الوضع الذي قد لا يُحمد عُقباه، ألزمَ المشرّع العُماني الادِّعاء العام
بالتّدخُّل على الرغم من كون هذا النوع من الخُصومات لا تدخل بحكمِ الأصل ضمن
الاختصاصات المنوطة به؛ وذلك، لاعتباراتٍ سنتعرف عليها تاليًا.
وعليه، فلقد خصَّصتُ هذا المقال لمناقشةِ دور الادِّعاء العام في مُنازعات الحيازة.
وقبل الخَوض في الموضوع، تجدُر الإشارة إلى أن دعوى الحيازة كبيرة في مضمونها،
مُتشعبة في أحكامها، وأن الحيز المساحي البسيط المخصَّص للمقال، سيسمح لي فقط
بتناول أساسيَّات الموضوع، دونما الخوض في الجوانب الخلافية.
مفهوم الحيازة المستهدفة بالحماية الوقتية:
وينبغي الإشارة في هذا الصَّدد إلى أن الحماية التي استهدفها المشرّع بالحماية، هي
تلك الحيازة المستقرة، الهادئة والمنتجة.
فإذا اعتدى أحدٌ على هذه الحيازة، فهو بذلك يكون قد كدَّر صفو الحيازة، وأزعج
الحائز؛ بل يكون أيضًا قد عرَّض الأمن والنظام العام لخطرٍ جسيم.
إذ قد يُؤدي مثل هذا الفعل الغاشم إلى محاولة اقتضاء الحائز حقه المسلوب بذاته من
المعتدي، فيحدث بالتالي ما لا يُحمد عقباه.
تدخل الإدعاء العام في منازعات الحيازة:
نظرًا لأهمية دعوى الحيازة، من الناحية القانونية، وما تثيره من مُشكلاتٍ عملية؛
أتاح المشرّع للحائز ثلاث دعاوى يمكن أن يرفعها حفظًا لحيازته من الاعتداء الذي
لحقها، أو سيلحقها، وهي: دعوى منع التعرّض، ودعوى استرداد الحيازة، ودعوى وقف
الأعمال الجديدة.
من هذا المنطلق، وبالنظر إلى انتشار مُنازعات الحيازة، وما يستَتبعها من تعكيرِ صفو
المجتمع، الذي قد يصل إلى ارتكاب الجرائم الماسة بسلامةِ الأشخاص؛ وحرصًا من المشرع
على عدم الإخلال بالأمن والنظام العام، حسب البيان المتقدم؛ أوجد حماية تشريعية
للحيازة، وذلك بِسَن المادة (39) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية، التي أوجبت
على الإدِّعاء العام إصدار قرار وقتي مُسبَّب واجب النفاذ؛ فنصَّت المادة على
الآتي:(يجب على الإدِّعاء العام متى قُدِّمت إليه شكوى تتعلق بمنازعةٍ من مُنازعات
الحيازة، مدنية كانت أو جزائية، أن يصدر فيها قرارًا وقتيًا مُسببًا واجب النفاذ
فورًا، بعد سماع أقوال أطراف الشكوى وإجراء التحقيقات اللازمة، ويصدر القرار المشار
إليه من عضو الإدعاء العام بدرجة رئيس إدعاء عام على الأقل.
وعلى الإدعاء العام إعلان هذا القرار لذوي الشأن خلال ثلاثة أيامٍ من تاريخ صدوره،
وفي جميع الأحوال يكون التظلّم من هذا القرار لكلّ ذي شأنٍ أمام القاضي المختص
بالأمور المستعجلة بدعوى ترفع بالإجراءات المعتادة في ميعاد خمسة عشرَ يومًا من يوم
إعلانه بالقرار، ويحكم القاضي بحكم وقتي بتأييد القرار أو بتعديله أو بإلغائه، وله
بناء على طلب المتظلم أن يوقف تنفيذ القرار المتظلم منه إلى أن يفصل في
التظلم).تكشف لنا مُفردات النص أن المشروع جعل اختصاص الإدِّعاء العام وجوبيًا
بالفصل في منازعات الحيازة، بنوعيها المدنية والجنائية؛ ولا يجوز له السّكوت أو
الامتناع عن إصدار القرار، لأن المشروع لم يترك له حرية التقدير.
ومن الأهمية بمكان أن نشير، في هذا الصدد، إلى أن هناك من منازعات الحيازة ما قد
تشكل معها خصومة جزائية، وهو الأمر الذي يكون معه تدخل الإدعاء العام أمرًا تقتضيه
أبجديات الدعوى العمومية الموكولة إليه، وفق مقتضيات النظام الأساسي للدولة، وقانون
الإدعاء العام، وقانون الإجراءات الجزائية؛ كما هو الحال في جنحة نزع التخوم
واغتصاب العقارات، المجرمة والمعاقب عليها بمقتضى قانون الجزاء؛ وجنحة غزو ممتلكات
الغير، المجرمة أيضًا والمعاقب عليها بمتضى القانون ذاته.
شروط تدخل الإدِّعاء العام لحماية الحيازة:
يلاحظ بأن تدخل الإدعاء العام لحماية الحيازة مشروط بأن يكون النزاع المعروض عليه
هو نزاع على حيازة مدنية أو جنائية، وفقًا لنص المادة (39)، سالفة البيان؛ وتطبيقًا
لذلك، فإذا رأى الإدعاء العام أن النزاع المعروض عليه هو نزاع على الملكية، وليس
نزاعًا على الحيازة، وأصبغ عليه الخصوم صبغة النزاع على الحيازة، من أجل الحصول على
قرار سريع، تفاديًا لبُطء وتعقيد إجراءات التقاضي المدني؛ ففي هذه الحالة يجب على
الإدّعاء العام حفظ الأوراق، مع احتفاظ المتضِّرر بحقه في اللجوء إلى القضاء.
كما يشترط أيضًا لتدخل الإدعاء العام أن يَدَّعى الحائز أن اعتداءً ماديًا وحالاً
وقع عليه بالفعل، ولا يجزيه القول باحتمالية وقوع الاعتداء؛ حيث يتوجب على
الإدِّعاء العام عندئذٍ اتخاذ إجراءً وقتيًا لمنعه.
كما أن مجرَّد اقتحام شخصٌ مزرعة الغير وسرقة بعض ثمار أشجارها، لا يُعدُّ اعتداءً
على حيازتِه، ولا يُسوِّغ له بالتالي اللّجوء إلى الادِّعاء العام، للاستفادة من
مُقتضيات المادة (39).ويُذكر في هذا الصَّدد أنه، إذا كان لكلِّ حائزٍ أن يلجأ إلى
الإدِّعاء العام عارضًا عليه منازعته، لطلب الحماية؛ فيكون للمالك، أن يستفيد من
هذا المقتضى القانوني، من بابٍ أولى.
إجراءات التعامل مع منازعات الحيازة:
حسب البيان المتقدم، فإن الإدِّعاء العام لا يملك قانونًا التدخُّل في دعوى الحيازة
دونما شكوى ترده من الحائز، الذي يشير فيها بأنه هو الحائز الشرعي للمال محل
الحماية (عقار/مال منقول)، وأن هناك من ينازعه في الحيازة، لا في الملكية؛ فالأخير
من اختصاص القضاء المدني؛ أما الأول، وإن كان من اختصاص القضاء المدني أيضًا، إلا
أن المشرع أوجب على الأدِّعاء العام التدخل بإصدارِ قرار وقتيّ، لا بتثبيت الملكية،
وإنما بتثبيت الحيازة، وذلك بعد إجراء التحقيقات اللازمة، مع ملاحظة أن يكون القرار
مسببًا، وفق أحكام القانون، وأن يصدر من عضو إدعاء عام لا تقل درجته القضائية عن
رئيس إدعاء عام، وفق مُقتضيات المادة (39) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية.
وبتقديم الشكوى أو بعرضِ منازعة الحيازة على الإدِّعاء العام، ينبغي عليه أن يقوم
بسماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة، وفقًا لمقتضيات المادة (39)
إجراءات مدنية وتجارية، قبل اصدار القرار؛ وإلّا كان قراره مَعيبًا.
ولا يعيب قرار الإدِّعاء العام أن تكون التحقيقات اللازمة تمت بمعرفة من يندبهم
لذلك من رجال الشرطة.
فتُعد التحقيقات في هذه الحالة قد تمت تحت إشراف الإدِّعاء العام؛ مع مُلاحظة أنه
في حال اتجه الادِّعاء العام إلى التحقيق بنفسه، فلا يشترط أن يتم بمعرفة تلك
الدرجة القضائية التي اشترطها المشرع لاصدار القرار (رئيس ادعاء عام)، وإنما يصح في
التحقيق ما دون ذلك من الدرجات القضائية.
تحريك دعوى الحيازة:
ونلاحظ من نص المادة (39) أن الإدِّعاء العام مُقيد، لا يتحرك من تلقاءِ نفسِه،
بمعنى أنه لا يتدخل بإصدار القرار الوقتي الذي أشار إليه المشرع، مالم يَطلب منه
المتضرّر، ولهذا فإن تدخل الإدِّعاء العام يكون مقيدًا ومقصورًا على شكوى أو إبلاغ.
التظلم من قرار الإدّعاء العام:
لكلّ ذي شأنٍ، سواء من صدر ضده القرار أو أيّ شخص من الغير ممن أضير بالقرار،
التظلم منه ويكون التظلم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أمام القضاء المستعجل،
وفق المادة (39/3) إجراءات مدنية وتجارية. ويجب أن يتم التظلم خلال خمسة عشرَ
يومًا من إعلان القرار إلى المتظلم، وإلا سقط حقه في التظلم وتقضى المحكمة بهذا
السقوط من تلقاءِ نفسِها لتعلّقه بالنظام العام.
ويرفع التظلم إلى القاضي المختص بالأمور المستعجلة في المحكمة التي يقع محل النزاع
بدائرتها، أيّ إلى محكمة الأمور المستعجلة المختصة مكانيًا. وللمتظلم أن يطلب من
القاضي المستعجل الذي ينظر تظلمه بوقف تنفيذ قرار الإدّعاء العام المتظلم منه إلى
أن يفصل في التظلم. وقرار القاضي المستعجل بوقف التنفيذ، أو برفض التنفيذ يُعدّ
قرارًا صادرًا في طلب وقتي؛ ولهذا فإنه يقبل الطعن فيه بالاستئناف فورًا، دون
انتظار الحكم الصادر في التظلم، تطبيقًا للمادة 203 إجراءات مدنية.
الأثر المترتب على الفصل في التظلم:
ذهب رأيّ في الفقه، يؤيده الدكتور مصطفى هرجه، إلى القول إنه إذا انتهى القاضي
المستعجل إلى أحقية المتظلم فإنه يحكم بإلغاء قرار الإدّعاء العام، دون أن يُقرن
الإلغاء بتقرير الحيازة لصالح المتظلم.
وقد استند هذا الاتجاه إلى أن القرار الوقتي في منازعة الحيازة منوط، وفقًا لنصّ
المادة (39) إجراءات مدنية وتجارية، بالإدِّعاء العام وليس بالقاضي؛ كما أن القاضي
يحكم ولكنه لا يصدر قرارًا في حكمه، فضلاً عن أن إصداره لقرار الحيازة بعد إلغاء
قرار الإدّعاء العام فيه تفويت لإحدى مراحل صدور القرار على الخصوم، ومن ثم فإن ما
يملكه القاضي المستعجل في هذه الحالة هو الحكم بإلغاء القرار الوقتي الصادر من
الإدّعاء العام والوقوف عند هذا الحد. وبالنظر إلى أن هذه المسألة خلافية، فإنني
أؤيّد الرأي القائل: أنه يترتب على الحكم بإلغاء قرار الإدّعاء العام الصادر في
منازعة الحيازة، القضاء مجددًا بتمكين المتظلم من عين النزاع ومنع تعرض الغير له
فيها.
وتأكيدًا لهذا الرأي، أرى أن القاضي المستعجل عندما يصدر حكمه بتعديل قرار الإدّعاء
العام وذلك بتمكين المتظلم من الحيازة، ونزع الحيازة من الصادر لصالحه قرار
الإدّعاء العام بالحيازة، لا يمنع محكمة الموضوع إذا ما عرض عليها النزاع أن تلغيه
أو تقضي بغيره.
القانون وفقاً لآخر تعديل - مرسوم سلطاني رقم 47
لسنة 1997 بإصدار قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية